السيدة هاجر بطولات نسائية في سبيل الدعوة (4)
تركها سيدنا إبراهيم في الصحراء، تلبية لأمر جاءه من الله، وكان المكان واديًا غير ذي زرع. هناك في تلك البرية المقفرة المجدبة ترك زوجته هاجر وفلذة كبده إسماعيل وانصرف.
نظرت هاجر حولها في ذهول، ثم نادته قائلة: كيف تتركنا في هذه البرية المجدبة.. لا ماء.. لا زرع.. لا إنسان.. وحوش البرية ستفترسنا.. حر الشمس سيكوينا.. ارأف بنا أيها الرجل.
إبراهيم يبتعد صامتًا لا يجيب.. روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهبُ وتتركُنا بهذا الوادي الذِي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: آللَّهُ الذِي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت إذن لا يضيعنا. ثم رجعتْ.
ظلت هاجر وحيدة مع ابنها في تلك الصحراء القاحلة، ونفد ما معهما من الزاد، وراح إسماعيل يبكي طلبًا للماء. ومن أين الماء في مثل هذه البقعة؟
استمر إسماعيل يبكي، ويتحول بكاؤه إلى أنين يوجع قلب أمه، ويمزقه ألمًا وشفقة. وهاجر في لهفة تنظر بعينين ملؤهما الدموع مرة على رضيعها الظمآن، ومرة على أرجاء المكان تمسحه بعينيها استكشافًا؛ لعل بارقة أمل تظهر فتلوذ بها وتتصبر عما هي فيه، لكن نظراتها ما أسعفتها بشيء، وإنما ارتد إليها طرفها كليلاً حسيرًا.