عدنان بن سلمان الدريويش

يعتبر هروب الشباب والفتيات من بيوتهم وأُسَرهم سلوكًا يتخذونه للفرار من مشكلة معينة، أو بسبب صراع نفسي، والهروب يعتبر نوعًا من النشاط المنحرف بسبب انعكاساته السلبية، وقد يكون الهروب مؤقتًا، وقد يكون نهائيًّا، ويكون مخططًا له أو غير مخطط له.

تقول سارة: أعيش أنا وإخوتي مع والدتي المطلقة في بيت مستأجر، حالتنا المادية يُرثى لها، وأبي لا يعرفنا ولا ينفق علينا، كان الحقد والكره يسود بيننا، إخوتي طباعهم سيئة ويعاملونني بشدة وقسوة وعنف، مللت من هذه الحياة، المكان الوحيد الذي أرتاح فيه هو الإنترنت عندما أخاطب الشباب وأشكو لهم همومي، ذات مرة عرض عليَّ أحدُهم الهروب من البيت والسكن معه في استراحته، أنا متحيرة في أمري ماذا أعمل؟

أصبحت مشكلة الهروب من البيت من المشاكل التي بدأت تنتشر بين أوساط المجتمع وخاصة من البنات القاصرات، يتركن أُسَرَهِنَّ ومدارسهن دون اكتراث بالواقع النفسي لهذا الهروب على أسرهن، ودون تفكير في المستقبل المظلم الذي ينتظرهن، والسؤال: لماذا يهرب الشباب والفتيات من أُسَرِهم؟ وما الذي يدفعهم إلى هذا القرار الخطير؟

ولهذه المشكلة أسباب نذكر منها:

  • التعرض للعنف الجسدي أو النفسي من قِبَل الوالدين أو أحد أفراد الأسرة.
  • الهروب من واقع لا يستطيع الهارب التأقلم معه مثل التفكُّك الأسري، أو تعاطي أحد الوالدين المُخدِّرات أو الخيانات الزوجية.
  • الفقر والعوز مما يجعل الهارب يبحث عن لقمة العيش في مكان آخر.
  • الرغبة في لفت الانتباه أو من أجل تحقيق رغبات الهارب.
  • ممارسة الضغط على الفتاة من أجل الزواج من شخص لا ترغب فيه.
  • بسبب تورُّط الفتاة في علاقة غير شرعية مع شابٍّ.
  • عند غياب الحوار الإيجابي أو توتُّر العلاقة بين الهارب وأحد والديه أو كليهما وعدم استطاعته البوح بمشاعره ومشاكله التي يمُرُّ بها.
  • المؤثرات الإعلامية عن طريق السوشيال ميديا، وتأثر الهارب بالمشهورين والمشهورات وتحريضهم على الهروب.

أيها الآباء وأيتها الأمهات، انتبهوا إلى أولادكم وتفقدوهم وراعوا مشاعرهم وأحاسيسهم خاصة عندما ترون تغيُّرًا في المزاج أو الأسلوب في الكلام، أو تغيُّرًا في بعض العادات المتعارف عليها في الأكل والنوم والدراسة والصلاة، أو التغيب عن المدرسة دون إخبار الوالدين أو أن تشكي إدارة المدرسة منهم، أو زيادة الغموض الذي يكتنف الهارب في لباسه وأصدقائه وأغراضه، أو التخلُّص من أغراضه الثمينة كإهدائها لبعض الأصدقاء.

علينا نحن المُربِّين أن نستشعر أهمية تدارك المشكلة قبل تفاقمها، وأن نتعرف على مخاطرها على الشباب والفتيات، ومنها: أن يقع الهارب ضحية للجريمة أو الاستغلال الجنسي، والسمعة السيئة بين أوساط المجتمع عن الشاب والفتاة، وضياع مستقبل الهارب وفقدانه للدراسة وفرص العمل وفرص الزواج.

وللتعامل مع هذه المشكلة قبل حدوثها علينا بالتالي:

  • الحرص على التربية المتزنة، والبعد عن التفرقة بين الذكر والأنثى، والابتعاد عن المقارنات السلبية بين الأولاد.
  • الاهتمام بالأولاد ورعايتهم والإحسان إليهم ومعاملتهم بالمعروف وخاصة البنات، فهو عمل عظيم، وثوابه جزيل، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ"؛ صحيح مسلم.
  • تقوية الوازع الديني، ومراقبة الله سبحانه، وتعليمهم أحكام الحلال والحرام.
  • تعليمهم مهارة حل المشكلات وطرق التعامل معها، وطرق التفاهم مع الآخرين بأسلوب مُهذَّب ومُؤدَّب، وأسلوب الاعتذار إلى الآخرين.
  • التعامل مع أخطاء الشباب والفتيات بأسلوب هادئ وعلاجها بطرق تربوية، فالخطأ طبيعة بشرية تقع من الكبير والصغير.
  • وضع نظام يحكم البيت، يُطبِّقه الصغير والكبير، ويسوده الاحترام والعدل؛ كاستخدام النت والصلاة والنفقة.
  • إشباع الأولاد بالعاطفة والحب والاحترام، وتفقُّد مشاعرهم وأحوالهم، والحوار عن هواياتهم واهتماماتهم ومشاكلهم.
  • متابعتهم في الدراسة، وإشغال أوقاتهم بما ينفعهم، مع الحرص على مساعدتهم في اختيار الأصدقاء الصالحين.
  • تقنين استخدام النت في البيت، وتحذيرهم من المواقع المشبوهة والمدمِّرة للأخلاق والمجتمع والوطن.
  • عدم إجبارهم على قرارات لا يريدونها سواء في التخصص أو الزواج أو الوظيفة، مع تقديم النصيحة لهم بهدوء مع إيضاح الأسباب والآثار والنتائج لهذه القرارات.
  • الاستعانة بالمتخصصين التربويين لمساعدتكم في علاج المشكلة، ومتابعة الشباب والفتيات في تخطي عقباتها.
  • زيارة بعض المؤسسات التي تعتني بمثل هذه المشكلة، والجلوس مع روَّادها للاستماع إلى تجاربهم، ومدى الآثار والنتائج التي وقعوا فيها.
  • الدعاء الصالح للأولاد في كل وقت وحين، واقتناص الأوقات والأماكن المرجو فيها استجابة الدعاء.

أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن يجعلهم هُداةً مهتدين على سيرة حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

JoomShaper