أ.د. رباح النجاده
يولي الاختصاصيون والمتابعون لنمو الطفل اللعب مكانة خاصة واهتماماً كبيراً، نظراً إلى الدور المهم والحيوي الذي يؤديه في تكوين شخصيته وسلوكه الاجتماعي. ويعتبر اللعب في مرحلة الطفولة المتوسطة (6 – 9 سنوات) وسيطاً تربوياً وركيزة أساسية في تكوين الطفل النفسي والعقلي والاجتماعي ومصدراً غنياً وواسعاً لزيادة قدراته وخبراته ومهاراته ومعلوماته وتحديد سلوكه وميوله واتجاهاته.
يشبع اللعب احتياجات كثيرة لدى الطفل كأن يكون ضمن الجماعة، تلقي الاهتمام والحب، المنافسة والمساهمة في القيام بالمسؤوليات وأداء الواجبات، تعلّم القواعد والقوانين التي تنظم علاقات الأفراد والمبادئ والأخلاق الحميدة وأسس العمل الجماعي ومتى يبادر أو يعمل أو ينتظر وما يتبع ذلك من سيطرة على ميوله ورغباته، فيتعلم الضبط الذاتي والسيطرة على النفس متماشياً مع رغبات الجماعة.
من خلال اللعب أيضاً، تتطور خبراته وتتنوّع وتتكون علاقاته الاجتماعية، فيحصل على القبول الاجتماعي الذي يؤثر في تطور سلوكه ونموه العقلي والفكري واللغوي والاجتماعي.
النمو الاجتماعي
يُقصد به اتجاه الطفل نحو الاستقلالية واتساع دائرة ميوله واتجاهاته. ويتميز بالتالي:
- تتسع اهتمامات الطفل وتتنوّع.
- تتسع علاقاته الاجتماعية وتزداد ثقته بنفسه.
- يبدأ الانفصال الواضح عن الأم.
- تنمو لديه القدرة على العمل الجماعي ويبدأ تعلّم احترام القوانين والقيم.
- يزداد الوعي الاجتماعي لديه والقدرة والميل نحو الاضطلاع بالمسؤوليات وتنمو مهاراته الاجتماعية.
- يزداد حب المنافسة لديه ويغلب عليه التعبير عن سلوكه العدواني بالألفاظ وليس الشجار والاتصال الجسمي.
- تنمو لديه القدرة على الاندماج في ألعاب الأطفال المنظمة.
- يبدأ باستبدال معايير الأبوين والمدرّسين بمعايير الأفراد في المجموعة.
- تتكون لديه المبادئ الخلقية كالصدق والأمانة والولاء والقيم الدينية والخلقية ويفهمها.
- تنشط النزعة الاستقلالية والميل إلى تحمّل المسؤولية.
- تنمو لديه الفردية والنزعة إلى الخصوصية واحترام خصوصية الغير.
- يميل إلى الاقتناء وحبّ التملك وجمع الأشياء.
- يبتعد كل من الجنسين عن صداقة الجنس الآخر في نهاية هذه المرحلة.
النمو الانفعالي
يُقصد به تهذيب الانفعالات إلى حدّ نسبي ويظهر على النحو التالي:
- تتهذب انفعالات الطفل إلا أنها لا تصل إلى النضج الانفعالي التام.
- يحاول التخلّص من الطفولة والشعور بأنه ناضج.
- من السهل إثارته انفعالياً لكنه يحاول ضبط الانفعالات والسيطرة على النفس.
- تنمو لديه مشاعر الغيرة والتحدّي والمخاوف وهي تنتقل معه من المرحلة السابقة.
- ينمو لديه الشعور بالحبّ ويحاول الحصول على الاهتمام وجذب الانتباه بالوسائل كافة.
- تتحسن علاقاته الاجتماعية والانفعالية مع الآخرين.
- تتكون لديه العواطف والعادات الانفعالية المختلفة.
- تتكون لديه حساسية تجاه النقد والسخرية من الوالدين أو المعلمين أو الأقران، بينما يميل هو إلى نقد الآخرين.
- تتركز انفعالاته حول ذاته مثل الخجل أو الإحساس بالذنب أو الشعور بالنقص.
- يميل إلى المرح ويفهم النكتة ويطرب لها.
- تقلّ حدة تعبيره عن الاعتراض والثورة ويتعلم كيف يتنازل.
- يشعر بالمسؤولية ويستطيع تقويم سلوكه الشخصي.
- ينزعج لأي استفزاز بسيط أو توبيخ من دون سبب واضح.
- يتغلب على مخاوفه عن طريق ربط الأمر المخيف بأمور سارّة متعددة.
اللعب
اللعب ضرورة حيوية تساهم في نمو جسم الطفل وعقله وتطوّرهما وتفتح مداركه وتبث الحيوية في كيانه ما يساعد في تكوين شخصيته وصقلها.
كذلك، يعتبر اللعب وسيلة تعليمية للطفل، فتتغير احتياجاته ويتعلم كيف يتناول الأشياء والأدوات وكيف يستخدمها، قد يخطئ مرة ويصيب مرة أخرى، وفي كل مرة يستفيد من معلومات ومعارف ومصطلحات لغوية، ويستطيع المشاركة في ألعاب منظمة ومسابقات رياضية مثل كرة القدم والجري.
في سن السادسة يلعب الأولاد مع البنات، لكن يفضل الأولاد اللعب بالبنادق والمسدسات والطائرات، بينما تفضل الفتيات اللعب بالعرائس وأدواتها كالملابس وأدوات المطبخ.
في سن السابعة، يفضّل الأطفال الكتب الملونة والتلوين والقراءة وركوب الخيل والدراجات ويميلون إلى الاختراعات والابتكارات والخيال في اللعب وجمع الأشياء مثل الأحجار والسيارات، أما البنات فيزداد اهتمامهن بالعرائس وتغيير ملابسها وتمشيطها والعناية بها.
في سن الثامنة والتاسعة يكون لعب الأولاد صاخباً وعنيفاً وقد ينتهي بالعراك، يحب الأولاد اللعب الجماعي وقصص الشجاعة والمخاطرة فيما تفضل البنات الألعاب التي تتعلق بالبيت كالمطبخ...
تبيّن الدراسات الحديثة أن عادات جيدة كثيرة تكتسب أثناء اللعب إذا توافرت البيئة السليمة المناسبة. يعلّم اللعب التنظيم، التدريب، فن التعامل مع الآخرين، الصبر، التحمّل، المحاولة، النجاح والفشل. ومن أهم مميزات اللعب وفوائده انشغال الأطفال في ألعاب مفيدة جسدية وعقلية ونفسية والابتعاد عن الشجار والمنازعات.
النمو الحركي
يُقصد به التغيرات التي تحدث في سلوك الطفل الحركي فينتقل من السلوك العشوائي إلى السلوك السليم المدروس، ويكون ذلك نتيجة للخبرات المكتسبة المرتبطة بالعمر ونواحي النمو المختلفة: جسدي، فيزيولوجي، عقلي، لغوي، انفعالي، حسي، اجتماعي.
يلاحظ أن التغيرات التي تحدث في نمو الطفل تسهم في تطوير بعض قدراته الحركية، إذ يظهر تحسن واضح في نسبة الروافع (طول العظام ) بين الجزء العلوي والجزء السفلي لجسم الطفل وفي العلاقة بين ثقل الجسم وقوة العضلات، بالإضافة إلى أن النقص الواضح في الأنسجة الدهنية يسهم، بقدر كبير، في نمو المهارات الحركية وتطورها.
- يستمر النمو الزائد في هذه المرحلة.
- يتعلم الطفل المهارات الحركية اللازمة للألعاب ويُظهر تحسناً في كيفية الأداء.
- تظهر حركات عضلية زائدة في بداية هذه المرحلة ثم تختفي في نهايتها.
- تزداد قدرة الطفل على الانتباه والتركيز في نهاية هذه المرحلة.
- تظهر القدرة على التحكم بحجم الحروف والكلمات خلال الكتابة.
- تظهر زيادة واضحة في القوة والطاقة.
يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، إذ تحدث تغيرات النمو بفارق زمني قد يصل إلى سنة، ويظهر النمو أسرع بالنسبة إلى البنات مقارنة مع الأولاد.
في هذه المرحلة يكون الطفل عرضة للإصابة بالتشوهات القوامية نتيجة الأداء الحركي غير السليم والعادات اليومية والسلوكية الخاطئة، كأوضاع الجلوس والوقوف وحمل الحقيبة المدرسية الثقيلة لفترات طويلة. في المقابل، يكتسب الطفل في هذه المرحلة مهارات أساسية في الألعاب المدرسية وتنمو لديه القدرة على الرمي والوثب وتلقف الكرة.
تطوّر نمو المهارات الحركية
يظهر تطوّر نمو المهارات الحركية في:
مهارة الجري
الجري هو النشاط الحركي السائد في اللعب الحرّ وغير الموجّه، يتميز في هذه المرحلة بالانسيابية ولكن قدم الارتقاء لا تكون قوية كما في مراحل النمو التالية، كذلك تتميّز سرعة تكرار الخطوات بالبطء مقارنة بالمراحل التالية للنمو.
مهارة الوثب
الوثب إحدى المهارات الحركية المحببة لأطفال هذه المرحلة، ويلاحظ أن الوثب إلى أسفل من فوق مرتفع يحتل المرتبة الأولى عن الوثب الطويل أو العالي بالنسبة إلى أطفال هذه المرحلة.
مهارة الرمي
إحدى المهارات الحركية الأساسية التي تتباين وتتنوع درجة إتقانها بالنسبة إلى أطفال هذه المرحلة. بالمقارنة مع مهارتي الجري والوثب، نجد أن مهارة الرمي تقلّ كثيراً بالنسبة إلى درجة الإتقان وتشوبها حركات زائدة غير هادفة.
يشكّل رمي الكرة باليدين من أسفل المهارة السائدة في عمليات الرمي، ولا يستطيع طفل هذه المرحلة أن يرمي الكرة بيد واحدة من ارتفاع الكتف بدرجة كبيرة من التوافق والقوة.
مهارة استقبال الكرة (اللقف)
إتقان هذه المهارة في العامين الأولين من هذه المرحلة ضعيف، وغالبا ما تُستقبل الكرة بضمها إلى الصدر مع مشاركة أجزاء الجسم في ذلك، بينما استلام الكرة بشكل صحيح خلال طيرانها في الهواء يتم في آخر هذه المرحلة نتيجة للتدريب.
المهارات الحركية المركبة
تظهر القدرة على القيام بالحركات المركبة التي تتكون من أكثر من مهارة حركية كتنطيط الكرة والتصويب في كرة السلة مثلاً، في سن السابعة. من الصعب في هذه المرحلة إتقان المهارات الحركية المركبة التي تفصل بينها فترات زمنية تعمل على إفساد انسيابية تلك الحركات.
اللعب يُحفِّز قدرات طفلك
- التفاصيل