لعله من أكثر الأشياء المثيرة للأسى والحزن أن نرى صور فتيان صغار لم تتجاوز أسنانهم الخامسة عشرة ضمن قائمة الخلية الإرهابية التابعة لتنظيم داعش، التي اكتشفت الشهر الماضي، وشارك بعض أفرادها في عمليات مخلة بالأمن.

واعتدنا في إثر كل حادثة مؤسفة يشارك فيها صغار مجندون لخدمة أهداف القاعدة أو داعش، أن يندفع كتاب الصحف لتحليل ما حدث وتفسير أسبابه وتحديد العوامل التي تسهل لأولئك المجرميناستقطاب الصبيان والمراهقين لتحقيق مآربهم.

 

لكن أولئك الكتاب في تحليلاتهم وتفسيراتهم، لا يختلفون في عمق المعرفة عما يتداوله غالبية الناس في مجالسهم، فالكتاب يعتمدون فيما يقولون على انطباعاتهم وظنونهم وملاحظاتهم الخاصة، ولا شيء مما يقولون يرتكز على معرفة قطعية حصيلة دراسات فعلية؛ لذلك تأتي كتاباتهم متخبطة في التحليلات والتفسيرات، فمرة يوجه اللوم إلى كتب المدرسة التي تحشو أذهان الطلاب بقيم التعصب والكراهية ضد الأديان والمذاهب المختلفة، ومرة يوجه إلى تجنيد الصغار في مخيمات صيفية حيث يجري غسل أدمغتهم بصنوف من محاضرات الغلو الفكري، ومرة يوجه إلى عوامل التشدد الموجود في المجتمع الذي يحرم المراهقين من الاستمتاع بأبسط مظاهر اللهو والترفيه، وغير ذلك من التفسيرات الافتراضية والتعليلات التي لا ترتكز على أساس علمي من دراسات ميدانية وإحصاءات موثقة.
ولأن قضية الإرهاب وترصده لصغارنا للإيقاع بهم في حبائله، ليست قضية عابرة، وإنما قضية عظمى تهدد أجيالنا ومستقبل بلادنا وأمنها واستقرارها، فإنها تستحق أن تنال بعدا علميا أعمق مما هو معطى لها الآن، هي تستحق أن ننشئ من أجلها مركز أبحاث متخصص يكون عونا على إيجاد العلاج الناجع، فمكافحة هذه المشكلة والقضاء عليها لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن مستندا على دراسات ميدانية تتولى مسح جميع ما يحيط بأولئك الصغار من ظروف بيئية وفكرية واقتصادية ونفسية، والخروج بتشخيص موثوق ودقيق لأسباب هذه العلة، فمن المسلم به أن التشخيص غير الصحيح ينتج عنه أحيانا مضاعفة الداء وليس فقط الفشل في علاجه.
إننا في حاجة إلى مركز أبحاث متخصص يخبرنا بالضبط كيف استطاع هذا التنظيم أن يستقطب الناشئة من الفتيان والفتيات؟ ما أدواته التي يستخدمها كي يجذبهم إليه؟ وكيف يمكن قطع الطريق عليه حتى لا تسري سمومه أكثر وأكثر إلى داخل أجساد ناشئتنا؟
إن معرفة هذه المعلومات المحيرة والمهمة هي ما ينبغي أن نحرص على الحصول عليه لنتمكن من كبح تسلل هذا النظام إلى داخل بيوتنا وانتزاع صغارنا من بين أيدينا.

JoomShaper