كاميليا حسين

رغم أن الرياضيات تُعد مادة أساسية في التعليم المدرسي، فإن تعلمها يشكل تحديا لملايين الأطفال حول العالم، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى اتهامهم بالكسل أو قلة الذكاء. ويتساءل الكثير من الأطفال أمام آبائهم: لماذا نقضي شهورا في تعلم القسمة المطولة بينما يمكننا استخدام الآلة الحاسبة لحل المسائل المعقدة؟ هذا السؤال، الذي يبدو بسيطا، تتناوله العديد من الدراسات التي تبحث في تأثير تعلم الرياضيات على نمو الدماغ ووظائفه.

الرياضيات تساعد على نمو دماغك

تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن بنية الدماغ ليست ثابتة، ولكنها تتغير باستمرار مع التعلم، في خاصية تعرف بالمرونة العصبية "Neuroplasticity" حيث تعاد برمجة الشبكات العصبية عبر إنشاء روابط جديدة بين الخلايا العصبية أو تقوية الروابط الموجودة عندما نتعلم شيئا جديدا، وهو ما يعني أن حل تمارين الرياضيات لا يحسن من أداء طفلك الدراسي فقط، لكنه يعيد تشكيل دماغه ويسهم في نموه.

وهو ما دعمته دراسة أخرى لجامعة أكسفورد أظهرت أن الطلاب الذين توقفوا عن دراسة الرياضيات عند سن الـ16 أظهروا مستويات أقل من  حمض "جاما أمينوبيوتيريك"، وهي مادة كيميائية في الدماغ تعتبر ضرورية لنمو الدماغ وتلعب دورا في التعلم والذاكرة، ما قد يؤثر على نموهم المعرفي لاحقا.

كما أظهر بحث آخر أجري في كلية الطب بجامعة ستانفورد أن ممارسة الرياضيات تنشط الحصين وهو الجزء المسؤول عن نقل المعلومات من الذاكرة القصيرة الأمد إلى الطويلة الأمد.

وأظهرت الدراسة أن الأطفال الذين تعلموا الحساب الذهني أو تمكنوا من حفظ الحقائق الرياضية البسيطة بدلا من الاعتماد على العد بالأصابع تكون لديهم مساحة أكبر في أدمغتهم لتعلم مفاهيم جديدة، ويميلون للتعلم بشكل أسرع.

الطلاقة الحسابية

كثيرًا ما شغل هذا السؤال المعلمين والآباء: ما أفضل طريقة لتعليم الأطفال الرياضيات؟ هل يجب التركيز على حفظ جدول الضرب وسرعة الحل؟ أم على الفهم العميق للمفاهيم؟

في تقرير حديث نُشر في مجلة "العلوم النفسية" بعنوان "ماذا يعلمنا علم التعلم عن الطلاقة الحسابية؟"، اقترح الباحثون نهجًا يقوم على 3 مراحل لتطوير الطلاقة الحسابية لدى الأطفال، تبدأ بالفهم، تليها الممارسة المحددة بزمن، ثم التفكير والنقاش. هذا النموذج لا يلغي الحفظ، بل يدمجه في إطار أوسع يعزز الفهم ويعمّق المهارات الحسابية.

وقد أكدت الدراسة أهمية اتباع هذه الخطوات في التعليم المبكر للرياضيات، لضمان بناء أساس متين يوازن بين سرعة الأداء وجودته من جهة، وبين القدرة على التفكير الرياضي السليم من جهة أخرى:

    مراقبة تقدم الطفل وتحديد ثغرات الفهم عند الطفل

    منح الطفل إستراتيجيات تساعده مثل استخدام الرقم 10 كنقطة مرجعية للحسابات الذهنية

    استرجاع الحقائق وحفظها مثل جدول الضرب

عند التأكد من إتقان الطفل لهذه الحقائق ابدأ في تعويده على حل التمارين المحددة بوقت لتشجيعه على ممارسة إستراتيجيات الاسترجاع السريع بدلا من العد البطيء.

وأكدت هذه الدراسة على أن التعلم الفعال لا يفرض الاختيار بين السرعة والفهم ولكن يدمج بينهما بشكل تدريجي.

كيف تفرق بين عسر الرياضيات والقلق منها؟

من الطبيعي أن يواجه الأطفال صعوبات مؤقتة أثناء تعلم مفاهيم رياضية جديدة، لكن استمرار هذه الصعوبات أو اقترانها بأعراض مثل التوتر أو الانسحاب الاجتماعي قد يشير إلى وجود اضطراب يتطلب تدخلا متخصصا.

واحدة من هذه الحالات تُعرف باسم عسر الحساب (Dyscalculia)، وهو اضطراب معرفي يصيب نحو 5% إلى 10% من الأفراد، ويشبه إلى حد كبير عسر القراءة، لكنه لا يحظى بالشهرة نفسها. يعاني المصابون به من صعوبات في فهم المفاهيم العددية الأساسية، مثل الكميات، مما يؤثر على قدرتهم في أداء مهام حياتية بسيطة مثل الطهي أو التعامل مع المال.

أعراض عسر الحساب

 

    صعوبة في فهم المفاهيم العددية مثل "أكبر من" و"أصغر من".

    عدم الربط بين الرقم المكتوب والكلمة المنطوقة التي تمثله (مثل 5 وخمسة).

    صعوبة في حفظ جداول الضرب.

    مشاكل في عد النقود أو تقدير الزمن والمسافة.

ورغم أن السبب الدقيق لعسر الحساب لا يزال غير معروف، تشير الأبحاث إلى احتمال وجود عوامل وراثية، إلى جانب اختلافات في بنية الدماغ ووظائفه.

وللأسف، قد يُساء فهم الأطفال المصابين بعسر الحساب، فيتهمهم الأهل أو المعلمون بالكسل أو قلة الذكاء. في حين أن التقييم النفسي والتربوي المتخصص يمكن أن يحدد بدقة طبيعة التحديات التي يواجهها الطفل، كما يساعد على اكتشاف نقاط قوته، مما يتيح تقديم الدعم الملائم له.

قلق الرياضيات

قلق الرياضيات هو شعور نفسي بالرهبة والتوتر عند التعامل مع الأرقام أو المسائل الحسابية، ويحدث لدى أشخاص لا يعانون من أي صعوبة معرفية.

تؤدي مشاعر القلق هذه إلى إرباك الذاكرة العاملة، وهي المسؤولة عن الاحتفاظ بالمعلومات مؤقتا، مما يجعل الطفل ينسى الخطوات أو يفقد تسلسل الحل، ويشعر بالعجز، ثم يتجنب الرياضيات تماما، مما يفاقم المشكلة ويؤثر على أدائه في مواد أخرى مثل العلوم والتكنولوجيا.

أعراض وأسباب قلق الرياضيات

تتشابه أعراض قلق الرياضيات مع أعراض القلق العام، وتشمل:

    توتر عضلي.

    تسارع ضربات القلب.

    تعرّق اليدين.

ومن أبرز الأسباب المحتملة:

    تجارب تعليمية سلبية.

    ضعف الدعم الأسري خاصة في أداء الواجبات.

    الصور النمطية مثل الاعتقاد بأن الأولاد أفضل من البنات في الرياضيات، مما يضعف ثقة الفتيات بأنفسهن.

طرق العلاج والتخفيف

يمكن لمختصي التربية أو الصحة النفسية استخدام العلاج المعرفي السلوكي لمساعدة الطفل على تعديل الأفكار السلبية المرتبطة بالرياضيات.

كما تفيد تقنيات أخرى مثل:

    تمارين التنفس العميق.

    كتابة الأفكار والمشاعر.

    تعليم الرياضيات في بيئة آمنة ومنخفضة الضغط من خلال الألعاب أو التطبيقات التفاعلية.

نصائح لتعزيز تعلم الطفل للرياضيات

    تنمية مهارات الحساب الذهني وتقليل الاعتماد على الآلة الحاسبة.

    استخدام الرياضيات في مواقف الحياة اليومية مثل الطهي أو التسوق.

    إدخال الألغاز والألعاب الذهنية في الروتين التعليمي.

    مساعدة الطفل على حفظ الحقائق الأساسية مثل جداول الضرب واختصارات العمليات.

    تخصيص وقت يومي للمراجعة في جو من الدعم والهدوء.

    دمج الرياضيات في الأنشطة العملية مثل الأشغال اليدوية.

    الاحتفال بإنجازات الطفل مهما كانت بسيطة لتعزيز ثقته بنفسه واستمراره في التعلم

=====================

خمس عادات للحفاظ على شباب دائم

مع تقدم الإنسان في عمره يجب عليه المحافظة ليس فقط على الصحة البدنية ولكن على الصحة الإدراكية أيضا. وهناك قواعد بسيطة حينما تحافظ عليها يمكنك أن تحافظ على قدراتك الإدراكية لفترة طويلة. فما هي؟

أولا: ممارسة رياضة ذهنية، أي تنشيط الذهن بانتظام: أي تدريبات للعقل للحفاظ عليه، مثلما نقوم بتدريبات بدنية للحفاظ على البدن. فالنشاط الذهني يُبقي الدماغ نشطًا ويُقلل من خطر الإصابة بالخرف المرتبط بالزهايمر. وتشدد أبحاث الزهايمر على أن أولئك الذين يُحفزون عقولهم بانتظام يحافظون على نشاطهم الذهني.

ولكن كيف نحفز الذهن؟ الإجابة من خلال الألعاب الذهنية أو ألعاب العقل مثلا، ومن بينها لعبة ألغاز “السودوكو” أو حل الكلمات المتقاطعة بالصحف والمجلات.

ومن الطرق الفعالة الأخرى تعلم مهارات جديدة – سواءً كانت لغة جديدة أو هواية إبداعية.

ثانيا: العلاقات الاجتماعية الإيجابية: بينما يحب كثيرون العزلة والانطواء على الذات يؤكد الخبراء على أهمية التفاعل الاجتماعي بالنسبة للصحة النفسية. فقضاء الوقت بانتظام مع الأصدقاء أو العائلة يعزز شعورك بالانتماء، ويمكن أن يساعد في الوقاية من الأمراض النفسية. كما أن العلاقات الاجتماعية الإيجابية تعزز الصحة النفسية وتساهم في توازن المزاج. والدراسات تُظهر أن العلاقات الاجتماعية الجيدة تُقوّي جهاز المناعة وتُقلّل من خطر الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب. وفي المقابل، ترتبط العزلة الاجتماعية أو الوحدة بزيادة احتمالية الإصابة بمشاكل صحية مُختلفة، بما في ذلك أمراض القلب والاكتئاب والقلق.

لذا، احرص أيضًا على التخطيط للقاءات دورية مع الأصدقاء والدردشة مع الجيران أو الاتصال بصديق قديم انقطعت صلتك به. كل هذا سيُؤثّر إيجابًا على صحتك الجسدية والنفسية.

ثالثا: الحفاظ على نظام غذائي صحي: لا يقتصر تأثير النظام الغذائي المتوازن على الصحة البدنية فحسب، بل يؤثر أيضًا على الصحة النفسية. فتناول الأطعمة الطازجة والغنية بالعناصر الغذائية بانتظام يُحسّن التركيز والذاكرة. والنصيحة باتباع نظام غذائي متوسطي غني بالخضراوات والفواكه وزيت الزيتون والأسماك، باعتباره مثاليًا للصحة النفسية.

رابعا: الحفاظ على النشاط البدني ولو كان بسيطا: النشاط البدني لا يقتصر دوره على تقوية العضلات فحسب، بل يُحسّن أيضًا تدفق الدم إلى الدماغ، ما يضمن وصول الأكسجين والمغذيات على النحو الأمثل. ويؤكد العلماء أن ممارسة الرياضة تُحسّن الأداء الإدراكي. بل حتى الأنشطة الخفيفة كالمشي أو اليوغا لها آثار إيجابية.

خامسا: التحرك في الهواء الطلق بانتظام: الهواء الطلق مفيد للجسم والعقل. وممارسة الرياضة اليومية والتعرض لأشعة الشمس لا يعززان الدورة الدموية فحسب، بل يزيدان أيضًا من إنتاج فيتامين د، وهو فيتامين مهم للمزاج ويمكن أن يقلل من التوتر. علاوة على ذلك، فإن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق لها تأثير إيجابي على التركيز ويمكن أن تقلل من التعب الذهني، بحسب فوكوس.

وهناك خمسة أسباب تجعل ممارسة الرياضة في الهواء الطلق مفيدة للصحة. ومن بينها أن الرياضة في الهواء الطلق تُحفّز جميع حواسنا وتقوي القلب وتحسن أيضا نومنا وهي مصدرٌ للشباب وتُبطئ الشيخوخة.

JoomShaper