تغريد السعايدة

عمان- هل يحتاج الأهل إلى "ضجّة إعلامية" حول الألعاب الإلكترونية ليلتفتوا إلى مخاطرها، ثم يعانون في عملية انسحاب أبنائهم من هذا الإدمان الإلكتروني عليها؟ وهل ما حدث مؤخرا من تحذيرات حول اللعبة الشهيرة "روبلوكس" كان كافيا لإعادة تنظيم اهتمامات الطفل؟

 

تلك أسئلة طرحها الكثير من المختصين وأولياء الأمور بعد أن سارعت دول عدة حول العالم إلى حظر لعبة "روبلوكس" التي غزت هواتف الأطفال وأجهزتهم المحمولة، إذ تتيح لهم مساحة واسعة من اللعب يتم تحديثها باستمرار، إضافة إلى فكرة اللعب الجماعي و"الشات"، الذي يمنحهم عالما مليئا بالتناقضات والمخاطر.

وعبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، نشر حساب متخصص في قضايا الطفولة مجموعة من الاعترافات الأسرية التي تناولت مخاطر اللعبة، من بينها ما قالته إحدى الأمهات: "ابني بات يقضي أكثر من 6 ساعات يوميا على اللعبة، ولم يعد لديه قدرة على التركيز في دراسته ولا في حياته الاجتماعية"، فيما أشارت أخرى إلى أن ابنتها تعرضت لرسائل غريبة من حسابات مجهولة داخل اللعبة، حتى أنها "كادت أن تفقد ثقتها بأي لعبة أونلاين".

ومن القصص الأخرى أيضا، شكوى إحدى الأمهات من الطلب المتكرر لابنها للنقود، لتكتشف لاحقا أنه كان يدفع لحساب اللعبة مقابل الحصول على ميزات إضافية، وهو ما اعتبرته استغلالا ماديا للأطفال. بينما لاحظت أخرى تغيرات سلوكية واضحة على ابنتها التي أصبحت أكثر عزلة وغضبا بسبب إدمان اللعبة.

وتتميز اللعبة المليئة بالشخصيات الملونة المرسومة وكأنها "قطع ليغو"، بجاذبيتها للأطفال، فضلا عن سهولة التسجيل والإجراءات التي تمنح الطفل خصوصية كاملة في الدخول إليها دون الاعتماد على الآخرين، إلى جانب إمكانية التحدث مع لاعبين مجهولين في هذا العالم الخفي، بحسب تقرير خاص أُعد عنها.

أما الجدل الذي أثارته موخرا وأدى إلى حظرها في دول عدة، كان سببه إجماع المختصين على احتوائها محتوى غير لائق "أخلاقيا واجتماعيا وجنسيا"، فضلا عن إشاراتها إلى طقوس دينية غريبة وبعيدة كل البعد عن الديانات السماوية. وهو ما أثار استياء واسعا حول العالم، خاصة وأنها تتعلق بالأطفال من مختلف الأعمار.

ويلجأ الأطفال اللاعبون إلى البحث عن أي وسيلة للحصول على المال، من أجل شراء عناصر ومقتنيات "افتراضية" داخل اللعبة، ليتميزوا عن غيرهم. وقد اعتبر المختصون ذلك استغلالا ماديا مباشرا للأطفال، وأحد أشكال الإدمان الذي يحمل مخاطر عديدة لا تختلف عن أدوات الترفيه الأخرى التي تؤدي إلى الإدمان العقلي الخطير.

من جهته، يرى اختصاصي الصحة والمعالج النفسي الدكتور أحمد عيد الشخانبة أن من أفضل الوسائل التعليمية للطفل هي التعلّم باللعب ومن خلال القصة، فهما من أنجح الطرق لغرس المحتوى العلمي أو القيمي أو حتى المهارات الحياتية المختلفة، لأن الطفل يتعلّق باللعبة بشدة، ويتأثر بما تحمله من رسائل، فتكون مدخلا مباشرا إلى وجدانه وعقله.

"ومن هنا تكمن الخطورة"، كما يؤكد الشخانبة، إذ إن استخدام الألعاب لتمرير مضامين غير لائقة أو قيم سلبية أو محتوى سيئ، سواء كان غير أخلاقي أو عنيفا أو مناقضا للعقيدة والثقافة، يعد أمرا خطيرا يستوجب التدخل. وهنا يصبح من الضروري أن تقوم الأسرة والمؤسسات التربوية والدول بعملية تقييم دقيقة للألعاب المنتشرة في الأسواق.

هذه التقييمات، كما يوضح الشخانبة، يجب أن تتناول عدة جوانب، مثل: "هل محتواها مناسب للأطفال؟، هل يتوافق مع ثقافة المجتمع وقيمه؟، وهل يسهم في بناء شخصية الطفل أم يدمّرها؟"، وفي حال ثبوت الضرر، ينبغي منع هذه الألعاب وحظرها، وهو ما تقوم به بعض الدول لحماية أطفالها من خطر تلك الألعاب غير المناسبة لأعمارهم ولثقافات المجتمعات المختلفة حول العالم.

ولكن، لا يرى الشخانبة أن المسؤولية تقتصر فقط على المؤسسات، بل تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأهل؛ إذ يجب أن يراقبوا ما يلعبه أبناؤهم، ويطّلعوا بأنفسهم على محتوى الألعاب، بل مشاركتهم اللعب أحيانا لمعرفة ما إذا كانت اللعبة مناسبة أم لا، فالأب والأم مسؤولان عن حماية أبنائهم من أي مؤثرات سلبية، ولا يجوز أن ينشغلوا عن ذلك بالعمل أو بجمع المال أو بأي اهتمامات أخرى على حساب تربية أبنائهم.، كون الرقابة الواعية من الأهل، إلى جانب التشريعات والرقابة المؤسسية، كفيلة بحماية الطفل من الانجراف وراء ألعاب قد تؤثر في أخلاقه وسلوكه ومستقبله.

خلود قصراوي، أم تعاني من لعب أطفالها في "روبلوكس"، توجه رسالتها للأهل وتقول: "اللعبة سيئة جدا وهناك الكثير ممن مروا بتجارب صعبة مع أطفالهم، ومنها ما يتعلق بالاستغلال الجنسي لأطفالهم".

أما ورود، فتقول: "اللعبة خطرة جدا على الأطفال بسبب وجود بالغين وكبار في السن يشاركون الأطفال اللعب على أنهم صغار، ويتحدثون معهم بطريقة غير لائقة، وفيها الكثير من الاستغلال اللفظي والمادي والترهيب".

وتقول نور الهدى إنها منذ ما يقارب العام قامت بحذف اللعبة من أجهزة أطفالها، في حين تقول هبة ياسين، المقيمة في تركيا، إن الدولة هناك قامت بحظر اللعبة نهائيا تجنبا للمخاطر المحتملة على الأطفال. وتشير إلى قصة إحدى السيدات اللواتي كن يشاركن في الألعاب على أنهن أطفال، حيث قدمن تحديات للأطفال المشاركين، تضمنت أعمال عنف موجّهة ضد إخوتهم أو ضد أنفسهم، مثل تحديات الحرق والطعن وغيرها من الممارسات الخطيرة.

وروبلوكس لا تعد لعبة فريدة، بقدر ما هي منصة ضخمة تضم ما يقارب 40 مليون لعبة يتم بثها بشكل يومي، يشارك فيها الأطفال، ولها الكثير من التحديثات التي لا تتناسب مع البيئة السملية لنشوء الأطفال، ولها الكثير من المواضيع مثل البناء، السفر، الأزياء، الطبخ، الرحلات، التحديات، المعارك، الرياضة، والكثير من المواضيع التي تستقطب اهتمامات الأطفال.

ويوجه الشخانبة الأهل في ضرورة أن يكون هناك حزم من الأهل في عملية مساعدة الأطفال للانسحاب من تلك الألعاب، ويكون ذلك من خلال التوعية للطفل بمخاطر الألعاب الإلكترونية، وشرح أن بعض هذه الألعاب قد تحمل محتوى غير مناسب، كالمحتوى الجنسي أو ما يتعلق بالدين ليصل إلى مرحلة "التكفيري"، أوغير الأخلاقي، وبيان أنّ هذه الألعاب خاطئة وسيئة وغير مسموح بها.

ويقول الشخانبة إنه في حال اكتشف الأهل أنّ الطفل يمارس لعبة ذات محتوى سيئ، فعليهم أن يتعاملوا مع الأمر مباشرة من خلال بيان خطورة هذه اللعبة، وشرح طبيعة الضرر الذي تسببه، ثم منعها عنه فورا وبحزم. فالحزم عنصر أساسي في التربية، لكن لا يكفي وحده، إذ يجب أن يقترن بالتوعية المستمرة وبإيجاد بدائل تعليمية وترفيهية تغني الطفل وتشغل وقته بما يفيده في نموه النفسي والاجتماعي والفكري

بعد ذلك، يطالب الشخانبة من الأهل أن يقوموا بتدريب الطفل على تنظيم وقته في استخدام الأجهزة الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي إذا كان عمره يسمح بذلك، بحيث يكون له وقت محدّد يتناسب مع سنّه، كساعة ونصف أو ساعتين أو ثلاث ساعات يوميا كحدٍّ أقصى، عدا عن أهمية إدخال أنشطة نافعة ومتنوعة في حياة الطفل، مثل الأنشطة الرياضية في الأندية والمراكز، أو الأنشطة الدينية.

إلى ذلك، ينبغي تنمية هوايات مفيدة كالمطالعة أو تربية الحيوانات الأليفة، كما يمكن إشراكه في أعمال منزلية بسيطة، مثل غسل الصحون، وإخراج القمامة، وترتيب الحديقة، وتنظيم غرفته، فهذه الأنشطة لها أثر كبير في بناء شخصية الطفل وتعليمه تحمّل المسؤولية.

وينوه الشخانبة إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به المدرسة في مجال التوعية من مخاطر هذه الألعاب، كما في مساهمتها بتوظيف الألعاب والقصص باعتبارها وسائل جذب فعّالة للطفل، سواء حملت محتوى إيجابيا أو سلبيا، ومن الضروري أن تستثمرها لتقديم محتوى تربوي هادف وبنّاء.

ولكن، دوما يبقى الحل الأمثل في مثل هذه الحالات، وفق الشخانبة، هو أن يكون هنالك حزم في التعامل مع هذه الألعاب، وذلك من خلال المنع المباشر لا المنع التدريجي، لأنّ القطع التدريجي لا يجدي نفعا في مثل هذه الحالات، بل قد يزيد من تعلق الطفل باللعبة. لذا فإن المطلوب هو القطع المباشر والحازم، إلى جانب تنظيم الوقت وترتيب الأولويات في حياة الطفل.

كما أن منع هذه الألعاب بشكل حازم ونهائي قد يثير لدى الطفل في البداية ردود فعل طبيعية؛ كالشعور بالضيق والانزعاج أو الغضب والبكاء، غير أن هذه الأعراض مؤقتة، لا تدوم أكثر من نصف يوم أو يوم كامل على الأكثر، ثم تزول تدريجيا، وعندها يكتشف الطفل أنّ حالته النفسية قد تحسّنت، وأن والديه كانا على صواب حين منعا تلك الألعاب، يشعر براحة وتوازن في سلوكه ومزاجه.

وعليه، ينصح الشخانبة الأهل بضرورة "التحلي بالصبر وألّا نقلق من هذه الاستجابات الأولية، فهي عابرة وغير ضارّة، المهم أن يظل الوالدان ثابتين على قرارهما، مع توفير بدائل صحيّة وممتعة للطفل، ليعتاد تدريجيا على أسلوب حياة أفضل وأكثر توازنا"، ومن المهم أن ندرك أن جميع الألعاب الإلكترونية، حتى تلك التي تحمل محتوى جيّدا وهادفا، إذا استُخدمت لفترات طويلة، فإنّ لها آثارا سلبية عديدة، جسدية ونفسية.

لهذا السبب، لا بد من تقنين استخدام الألعاب الإلكترونية وترتيب أوقات اللعب بما يتناسب مع عمر الطفل وحاجاته، مع إعطائه أولويات أخرى أكثر نفعا، ويستحسن أن يمنع الأطفال تحت سن الثالثة عشرة من استخدام الألعاب الإلكترونية منعا تاما، حفاظا على صحتهم الجسدية والنفسية، ولتوجيههم نحو أنشطة واقعية أكثر فائدة وإيجابية في بناء شخصيتهم وتنمية مهاراتهم.

JoomShaper