أسامة سيد محمد زكي

«إن أول شيء يجب أن تعرِفه هو نفسك؛ لأنك إذا عرَفت نفسك يُمكنك النظر لأفعالك بموضوعية كمراقب محايد»

آدم سميث

رحلة التغيير الإيجابي تبدأ بالوعي الذاتي أن تَفهَم عالمك الداخلي بشكل عميق، بجانب ما يحيط بك في الواقع والحياة، والوعي هو أن تُصبح على صلة بما أنت عليه، وما تفكر فيه وما تشعر به وتفعَله، وعندما يصبح الفرد واعيًا بما هو عليه، وما يفعله في الحاضر، فإن أفاق البحث والحلول تنتشر، وتظهر النتائج الإيجابيَّة من هنا فالتعامل مع الواقع بموضوعية من خلال المعرفة المباشرة للنشاط النفسي، بجانب رصد الواقع والأحداث ذات الأهمية، بهدف تصحيح مسار الحياة؛ يقول "إيكهارت تول": من أهم أمور الحياة معرفتك بنفسك ومعرفتك عن نفسك.

ببساطة أن تَفهَم نفسك، ويكون لديك معلومات دقيقة عنها، كثير من الناس لا يستطيع فَهْمَ أفكاره أو مشاعره أو دوافعه، ولا يَعرِف قناعاته أو قِيَمَه العليا، ولكن عندما نعرِف أنفسنا بصدقٍ، نستطيع أن نُعالج الكثير من مشكلات حياتنا، نستطيع التطور والنمو، والوعي الذاتي يتضمن أن نعرف ما نقاط قوتنا، وما نقاطُ ضَعفنا، نتعرف على قدراتنا ومواهبنا، نتعرف على رغباتنا وانفعالاتنا ودوافعنا، نتعرف على الأشياء التي نُحبها والأشياء التي نَبْغَضُها، نتعرف على الأشياء التي تُغضبنا، نتعرف على قِيَمِنا العليا ومعتقداتنا، نتعرف على مستوى جهلنا والقصور ومخاوفنا، نتعرف على طموحاتنا وأهدافنا ورؤيتنا، نتعرف على ما يُناسبنا في الحياة وما لا يناسبنا، الوعي بسلوكياتنا وعاداتنا وعواقبها على مستقبلنا.

نتعرف على احتياجاتنا الجسمانية والنفسية والاجتماعية والرُّوحية التي تجعلنا في حالة إشباع تام، الوعي برغباتنا الدفينة، هل نحب المدح والظهور؟ هل نحب جمع المال؟ هل نحب الجلوس بمفردنا؟ هل نحب الانشغال بكثرة الكلام؟ الوعي يضيء النور بداخلك ويجعلنا نستيقظ، يقول "أرسطو": معرفة نفسك هي بداية كلِّ حكمة، ولكن لنعلم أن مراحل الوعي لا تنتهي، بشكل يومي نستطيع تحسين وعينا، ووضع أنفسنا على الطريق الصحيح.

يقول "أبو حامد الغزالي": مِفتاحُ سعادة الإنسان معرفته بربِّه، ومفتاح معرفته بربه معرفته بنفسه، والوقوف على حقيقتها، ومعرفة ما يُسعدها وما يُشقيها، فيعمَل على ما يُسعدها، ويبتعد عما يُشقيها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعرفُكم بنفسه أعرفُكم بربِّه"، من هنا نفهم أن الوعي من أهم الأمور الْمُعينة للفرد لفَهْم نفسه وأفكاره ومشاعره وقناعاته وقِيَمِه، وما يريد تحقيقه في الحياة، وما يناسبه من أعمال وإنجازات؛ ليترك بصمةً نافعة.

مثال للتوضيح: لا تستطيع استخدام الهاتف الخاص بكفاءة دون فَهْم النظام والإمكانيات، وكيف تقوم ببعض المهام التي تحتاجها في هذا الهاتف، بجانب معرفة الأمور التي قد تعرِّضه للتلف والإفساد، وكلما تعلَّمت معلوماتٍ دقيقةً وصحيحة عنه، كان استخدامك له بكفاءة بجانب المحافظة عليه، هكذا الوعي لدى الفرد كلما سعى إلى فَهم ذاته والاستبصار بها، ومعرفة المعلومات الدقيقة عنها، انطلَق في الحياة من نقاط قوته، وسعى خلف غايته، وإصلاح عيوبه، وابتعد عن المغريات التي تَجلب له الصراعات والأزمات.

من فوائد الوعي الذاتي:

  • ستعرِف من أنت بدون أقنعة مكتسبة منذ الطفولة، أو أشياء زائفة تغطِّي حقيقتك، أو تعرف نفسك من خلالها.
  • ستتعرَّف على حقيقتك، وأنك كائن روحي، وفي تجربة مادية بشرية، ستتعرف لماذا جئت إلى الحياة، وما غايتك ورسالتك؟
  • ستضع نفسك على أول سُلَّمِ التغيير الإيجابي، وتنطلق في الحياة، من خلال طبيعتك ونقاط قوتك وميولك، وما يناسبك؛ لكي تستمتِع برحلتك.
  • ستتوقف عن رؤية الواقع والحياة والمجتمع من خلال ذاتك وعيوبك، بمعنى إسقاط ما بداخلك من مفاهيم خاطئة وعيوب ونواقصَ على الواقع والمجتمع.
  • يساعدك على تفكيك البرمجة العقلية السلبية التي تراكمت منذ طفولتك، ولكنك مستمر عليها بتلقائية، فتُؤثر في شخصيتك وتطوُّرك في الحياة.
  • يساعدك على الاعتراف بالمسؤولية، وتدريب نفسك عليها، فأنت المسؤول عن أهدافك وعلاقاتك وقراراتك وخياراتك، ومواهبك ومهاراتك وأسرتك، أنت المسؤول عن جسدك ووقتك وحالتك المادية، وعلاقاتك الروحانية الإيمانية، أغلب الأمور أنت المسؤول عنها، وليس الآخرين.

في يوم من الأيام قرَّر صبي في سن العاشرة أن يتعلم الجودو، وبالرغم من أنه فقد ذراعه الأيسر في حادث أليم، لكنه بدأ التدريبَ مع مدرب ياباني خبير، ثم قام المدرب بتعليمه حركة واحدة فقط طول مدة التدريب، وبعد فترة شارَك الصبي في أول بطولة رسمية، وهنا مفاجأة إذ إنه فاز في جميع المباريات حتى وصل إلى المباراة النهائية، ولكن كان المنافس له أقوى وأكثر خبرة، وبالرغم من ذلك فاز الصبي بالبطولة، وهنا سأل الصبي: المدرب كيف استطعت أن أفوز بالبطولة بيد واحدة وحركة واحدة فقط؟ قال المدرب: لقد فزت لسببين، أما الأول: فقد أتقنت أصعب الحركات وأخطرها وأقواها، وأما السبب الثاني فهو أن الحركة الدافعة هي أن يقوم الخصم بالإمساك والسيطرة على ذراعك المفقود، عندما ننمي الوعي الذاتي، ونتعرف على نقاط ضَعفنا، نستطيع تحويلها إلى نقاط قوة، ونستطيع قلب الموازين وتجاوز العقبات والتحديات، بوضع أنفسنا في المكان والطريق المناسب.

ما التوصيات العملية التي تساعدنا بإذن الله على تنمية الوعي الذاتي؟

1- التأمل الذاتي الصادق:

يساعدك على معرفة معلومات عميقة عن نفسك، بمعنى تتجاوز أفكارك ومشاعرك، وتتأمل خلفها، ستجد قناعات مُعيقة، أو مشاعر مكبوتة بها إحباطٌ وكراهية، تأمَّل بصدقٍ، وتَمعَّن في دوافعِك، عندما تتصرف في بعض المواقف الحياتية، أو في بعض المواقف العائلية أو الاجتماعية، لاحِظ واكتشِفِ الأشياء العميقة الجوهرية بداخلك، فهي جذور السلوكيات والمشاعر، وردود الأفعال والهجوم، والانسحاب والغضب الذي تتصرف به في الخارج.

2- التساؤل عن الذات:

بمعنى: اسأل نفسك: لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟ لماذا تشعر بهذه المشاعر في بعض المواقف؟ لماذا تعتقد هذه المعتقدات؟ لماذا تحكم على الآخرين والواقع والحياة بهذه الطريقة؟ امتلِك دائمًا الفضول نحو ذاتك.

3- يقسم "رونالدليفي" الذات إلى أربعة نوافذ، من خلالها نستطيع تجميع معلومات عن أنفسنا، ونكون أكثر وعيًا بذواتنا.

أ- النافذة المفتوحة: بمعنى جزء من الذات به أشياء وصفات تعرفها عن نفسك، ويعرفها الآخرون عنك؛ مثل: الاسم والميلاد والوالدين، وخلفيته التربوية، بعض الصفات الظاهرة؛ مثل: الخلق والدراسة، هنا اكتُب بعض الصفات والمشاعر والسلوكيات الأساسية التي تعرفها عن نفسك، ويعرفها الآخرون عنك.

ب - النافذة المقنعة: بمعنى جزء من الذات يعرفه الفرد فقط عن نفسه، ولا يعرفها الآخرون؛ مثل: بعض الصفات والقدرات والمهارات والانفعالات، وأشياء أنت تخفيها عن الآخرين، وقد تكون بعض العيوب، أو قدرات إيجابية تحتاج منك إلى إظهارها للآخرين، وهنا اكتُب بشجاعة بعض الصفات والقدرات والمشاعر والأهداف والميول التي تعرفها عن نفسك، وتُخفيها عن الآخرين.

ج- النافذة الخفية: بمعنى جزء من الذات يعرفه الآخرون فقط عنك، قد تكون بعض الصفات الإيجابية، وقد تكون بعض الصفات سلبية، أو مشاعر بُغضٍ، أو سلوكيات سيئة يلاحظها الآخرون فيك، ولكن أنت لا تدركها، وهنا نحتاج الشجاعة إلى سؤال مَن حولنا مِن المقرَّبين والأصدقاء عن بعض العيوب والمميزات، اكتُب كلَّ ذلك بدقة، والصفة التي يجتمع عليها عددٌ كبير ممن حولك، اعتبرها حقيقةً، وتعامل معها على أنها موجودة بالفعل.

د- النافذة المجهولة: بمعنى جزء من الذات لا تعرِفه عن نفسك، ولا يعرفه الآخرون، هذا الجزء تكتشفه عن ذاتك، من خلال التجريب للأشياء الجديدة والمواقف الجديدة، والظروف المختلفة؛ حتى تتعرف عليها، بمعنى شاب صغير توفِّي والده، فأخذ مسؤولية البيت، واعتمد على ذاته وتفوَّق في الدراسة والعمل، فهذه الصفة كان الشاب لا يعرفها عن نفسه، ولا يعرفها الآخرون عنه، وهنا تحتاج إلى ممارسة أشياء مختلفة دون خوفٍ؛ حتى تكتشف هذا الجزء من ذاتك.

ابدأ الآن بفَهْم نفسك، واكتشاف ذاتك؛ لتنمِّي وعيَك، وتنطلقَ نحو الإيجابية، إليك بعضَ الأسئلة التي تساعدك؟

  • ما أهم الجوانب التي تُميزك عن غيرك؟
  • ما القدرات التي تمتلكها منذ الطفولة؟
  • ما الأعمال التي تفعلها بشكلٍ أفضلَ من غيرك؟
  • ما الأعمال التي تستمتع بها وأنت تمارسها؟
  • ابحَث في ذكرياتك عن أهم الإنجازات والأعمال؟
  • اسأل مَن حولك عن المميزات التي يعتقدون أنك تؤديها بشكل رائع؟
  • قُمْ بتجريب أشياء وأعمال وهوايات جديدة ولاحِظ نفسك.
  • أخيرًا هناك الاختبارات العلمية الكثيرة على الإنترنت التي قد تساعدك في اكتشاف بعض الجوانب القوية والضعيفة في شخصيتك.

4- الانفتاح على الواقع:

بمعنى السعي لأن تكون مُلمًّا بما في الواقع، من خلال القراءة والسماع والمشاهدة، والمتابعة المستمرة لفَهم الواقع وما يُحيط بك، وكيف سيكون المستقبل، لنكون على وعي بالإمكانيات والفُرَص المتاحة، وفَهْم القضايا العلمية والثقافية المعاصرة الدارجة في الحاضر، فالانفتاح يعطينا وعيًا للواقع الذي نعيش فيه؛ لنسلك الطريق الصحيح.

5- الانطلاق من نقاط قوتك:

بمعنى أن تنطلق في الحياة من خلال نقاط القوة في شخصيتك، وما تستطيع أن تخدم به مَن حولك، وإظهار الصفات الإيجابية واستثمارها، بجانب إخفاء وتعطيل نقاط الضعف مع معالجتها، اعرِف نفسك من خلال ما تستطيع إتقانه، وتعامل مع الآخرين والحياة من خلال الجانب الإيجابي النافع؛ حتى تغذِّي الإيجابية، وتبنيَ صورة داخلية إيجابية لنفسك، فتنعكس على الخارج، وتدفع نفسك نحو الخير والصالح والإيجابي، والسعي المستمر لفهم الحياة والواقع والطرق المختصرة، والبُعد عن البرمجيات الاجتماعية المدمِّرة.

JoomShaper