محمود خطاطبة

في زيارتها إلى أقدم عاصمة في العالم (دمشق)، اشترطت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، التي تُتقن الكيل بمكيالين، والنظرة الفوقية، والاستفزاز، تحقيق ثلاثة مطالب، من أجل رفع العقوبات الأوروبية عن سورية، والتي تتمثل بـ"احترام حقوق المرأة، وصون احترام الأقليات، ونبذ التطرف الديني".

الوزيرة الألمانية، قطعت عشرات الآلاف من الأميال، مُتكبدة عناء السفر ومشقته، من أجل المُطالبة بحقوق المرأة السورية، حيث أكدت في حديث صحفي، بُعيد لقائها قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أن "حقوق المرأة مؤشر على مدى حرية المُجتمع".

يا الله!، كم هو حجم "الإنسانية" التي تتمتع بها بيربوك، ومن قبلها بلادها، فها هي تقطع تلك المسافة، مُتحملة وعثاء السفر، واضعة نُصب عينيها المرأة السورية وحقوقها، على الرغم من أن هُناك وعلى بعد نحو 70 كيلومترًا إلى الغرب من دمشق، تُنتهك حقوق المرأة الفلسطينية، وتغتصب، ويُقّتل أطفالها ورضعها بين يديها، وأمام ناظريها.

ازدواجية معايير، أقل ما يُقال عنها إنها حقيرة، ففي سورية تشترط الوزيرة الألمانية للحصول على دعم بلادها، أن تُنصف المرأة، وفي فلسطين لم تُلق بالًا، ولا أي اهتمام، لحقوق المرأة الفلسطينية، التي تُنتهك على يد آلة البطش الصهيونية، منذ أكثر من سبعين عامًا، ولا بأس من أن تُنتهك حُرمتها أيضًا، وتُحتل أرضها، التي اعترف بها مجلس الأمن الدولي، ومن قبله مُجتمع العالم المُتحضر والمُتقدم، فضلًا عما تتعرض له من قتل بشع، أو اعتقال في ظروف مأساوية، وإن نجت من كُل ذلك، فالجوع والعطش لها بالمرصاد، ناهيك عن البرد القارس.

الوزيرة بيربوك، التي بلادها توسم بأنها نازية، تدعو إلى صون واحترام الأقليات، وتُطالب بضرورة تمثيلها في عملية الانتقال السياسي، بينما وعلى مرأى عينيها، أو على رأي المثل الشعبي "مقلط العصا"، يُباد شعب بأكمله، وتُدمر حضارته وتُراثه، وتُنتهك مُقدساته، ولا تستطيع أن تنبس ببنت شفة، عما يحدث من إبادات جماعية ومجازر في قطاع غزة، ولم تعقد مؤتمرًا صحفيًا واحدًا تُشير فيه إلى موت أطفال ونساء وشيوخ غزة جوعًا وعطشًا وبردًا، أو من خلال قنابل ومُتفجرات إسرائيلية مُحرمة دوليًا.

الآن، الوزيرة الألمانية تُدافع عن الأقليات!، ولن تُدافع عن شعب بأكمله في فلسطين، أو هُناك احتمالية أن يكون الشعب الفلسطيني أقل من الأقليات!.. فدماء سُفكت، وأعراضًا هُتكت، وحُرمات انتُهكت، وأطفالًا يُتمت، ومساجد دُمرت، ومنازل هُدمت، لا يقع في خانة الأهمية تلك حفيدة "النازية".

الوزيرة بيربوك، لم تستطع أن تقول كلمة حق تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وغزة التي تُباد بشكل خاص.. يا ليتها كان لديها عُشر من جرأة الجنرال الإيطالي "غرازياني"، حليف بلادها في الحرب العالمية الثانية، أو حتى تعلمت من "فروسيته" نوعًا ما.

فهذا الجنرال، الذي كان حاكمًا عسكريًا إيطاليًا لليبيا، وقت استعمارها، حيث كانت تُعيث فيها فسادًا وإفسادًا، حينها كان يُساوم شيخ المُجاهدين، عمر المُختار، على حياته، حيث قال له الأخير: "أنا لم أطلب منك حياتي. لا تُعلن للعالم أني في خلوة هذه الغرفة، التمست منك حياتي".. فرد عليه الجنرال غرازياني: "لا، لن أقول ذلك. لن أكذب بشأنك. أنت رجل شجاع".

وكذلك شابهها في الفعل، وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إضافة إلى زيارته والوزيرة الألمانية لسجن صيدنايا، حيث المجازر والانتهاكات، لكن أصحاب أعتى وأقدم الديمقراطيات في العالم، لم يجهدوا أنفسهم لزيارة أي سجن في دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي يُعذب فيها الفلسطينيون عذابًا مريرًا، ولا يُقيم وزنًا لأي أعراف أو مواثيق دولية أو أخلاقية.

كما أن الوزير الفرنسي أكد استعداد بلاده لإرسال خُبراء إلى سورية من أجل تفكيك ونزع الأسلحة الكيميائية، إلا أنه لم يقل حرفًا واحدًا بشأن العدوان الإسرائيلي المتواصل على سورية منذ فترة، والذي تُستخدم فيه أسلحة مُحرمة أيضًا.

بعد كُل ذلك، يبدو أن الأُمتين العربية والإسلامية تعيش أكثر مراحل الوهن والضعف والإهانة والاستكانة والذُل، فهي لم تشهد مثل ذلك من ذي قبل، وأصبح جُل أبناء هذه الأُمة يُمني النفس أن تنطبق الآية القرآنية الكريمة: "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، على أولئك الذين يدمرون بلادنا ويستحيون نساءنا ويُذّبحون أطفالنا، فقد تكون بداية الانهيار، فما بعد التغطرس والتكبُر و"القمة" القائمة على الظلم والاضطهاد، حتمًا هو النهاية والهلاك والانهيار.

JoomShaper