مونية الديغوسي
بشيء من التحليل والتفصيل تناولنا جوانب مهمة من العطلة المدرسية، بعيدا عن الصورة النمطية التي تضعها في قالب اللهو اللعب والاعتقاد الذي يجعل منها إما فضاء خال من الالتزامات يسبح المتعلم من خلاله فيستمتع وينسى كل ما يربطه بالمقعد الدراسي، أو فترة من الزمن يُجبر فيها على تأدية واجباته فقط كي يحصل بالمقابل على حقوقه.
تناولنا الموضوع بالدراسة مع المشرفة البيداغوجية بالمدرسة العلمية الجديدة الأستاذة " فاطمة الزهراء سعيداني" ، فأشارت بداية أن الحديث عن العطلة يجرنا للحديث عن كم هائل من الساعات التي تمر على جميع أطراف العملية التعلمية ( المعلم، المتعلم، الأسرة) وبالتالي وجب فيها تضافر الجهود من أجل توجيه المتعلم إلى الطرق المناسبة لاستثمارها، والسؤال المطروح هنا هو كيف يمكن تفعيل العطلة لصالح المتعلم؟ وهنا أكدت أن الأمر يقتضي توفر معامل مهم هو الدافعية - دافعية الاستمتاع بالعطلة- حيث أن بعض الأسر لا تأتي على ذكر العلم والتعلم إلا إذا تعلق الأمر بإنجاز واجبات، فهم لا يتحدثون عنه في نقاشاتهم اليومية، وبالتالي ترتبط كلمة دراسة عنده بضغط وألم، وهذا ما يجعل من العطلة مساحة للتنفيس والتخلص من هذا الألم، وهنا ذكرت الأستاذة حادثة شخصية وقعت لها مع بداية الموسم الدراسي لهذه السنة وفي الساعات الصباحية لأول يوم بعد العطلة الصيفية، حيث تفاجئت بتلميذ يسألها قائلا: " أستاذة متى العطلة؟" وهو دليل كما تقول على عدم إعطاء العطلة معنى مفيد لنرسخ في أذهانهم أنها فرصة للتخلص من عبء الدراسة.

وبالعودة لرؤوس المثلث الثلاثة أشارت أن كل طرف له مسؤوليات عليه القيام بها فالأبوين يمكنهما أن يحدثا الابن عن مسيرتهما الدراسية، أن يطالع الأب أمامه حتى أثناء العطلة ليحثه على فعل المثل، ولا ينشغل عنه بالعمل أو التلفاز ويجعل ابنه يقلده في سلوكات خاطئة، فيمكن للآباء الجلوس مع أبناءهم لإقامة برنامج للعطلة يتناقش فيه الطفل ويقدم اقتراحاته، يختار كيفية تقسيم وقت العطلة، كأن يجعل الأسبوع الأول للترفيه والثاني للدراسة والجد، حتى يدخل بعد العطلة وهو على اتصال بالدراسة، يمكن أيضا أن نتناقش معه حول نمط الغذاء المفضل لديه أثناء العطلة، فيكون هناك نوع من التحفيز ويصبح المتعلم بين شوقين الأول للعطلة لأنه سيجني فيها المكافئات على مرحلة دراسية، ويشتاق للدراسة لأنها
ستكون بوابته للعطلة.

وأما عن الطرف الثاني في المعادلة وهو المعلم فتؤكد أن عليه هو الآخر مسؤوليات وتحديدا في هذا الموضوع، وأن هناك من المعلمين من يردد على طلبته عبارة لا يدرك خطورتها: "اعملوا الآن لترتاحوا أثناء العطلة"، لذا وجب على المعلم أن يحببهم في طلب العلم، يعودهم على سماع قصص عن العلماء والمتفوقين، يروي لهم عن مشواره الدراسي، لأن المعلم الذي لا يقوم بمبادرات مماثلة لتوجيه ذكاء المتعلم فيمنح له من وقته، والذي يكتفي بما تمليه عليه المقررات الدراسية، ويحصر العطلة في جملة من التمارين التي يكلفه بأدائها ظنا منه أنه سيشغل وقته بشكل مناسب، فهو يقدم مفهوما خاطئا للعطلة، و المتعلم إذا لم يفهم معناها سيعمل على التخلص من حل تلك التمارين سريعا وفي الأيام الأولى ليتفرغ بعدها لعطلة يستثمرها بطريقته الخاصة ويعود بعدها وهو غير جاهز للدراسة، وهنا يتوجب على المعلم أن يتساءل عن مصدر الخلل، هل هي الأسرة، هل هو في طبيعة الأعمال الواجب انجازها، فيحاول القيام ببحث من بحوث الفعل لإيجاد الحل.

وفي نفس السياق اقترحت الأستاذة أن يقدم عدد أقل من التمارين ونطعّمها ببعض البحوث المفيدة للطرفين (المعلم والمتعلم) وأيضا نتبعها ببعض الأنشطة والتجارب التي ينجزها أثناء العطلة، وذلك قصد تغيير المفهوم الخاطئ لها من كونها تخلص من الدراسة، لفرصة للاستمتاع وجو قريب من الدراسة، وهنا يكون دور المعلم في معرفة اهتمامات المتعلم، فمثلا عندي تلميذ مهتم بالبحوث العلمية أكلفه أثناء العطلة ببحثين علميين وآخر تاريخي، متعلم يحب الأشرطة الوثائقية أطلب منه أن يبحث ويحمّل لي شريط عن البيئة، الحيوان، يمكن أن نربط متعلم آخر بعالم النبات فنطلب منه القيام ببعض التجارب مع النبات، يمكن أن يحكي عن رحلة قام بها خلال العطلة، فيكتب ما يشبه القصة وهناك من التلاميذ من قاموا بهذا العمل ودونوا تفاصيل الرحلة وهم في السيارة، يمكن أن يطبخ بمعية الأم أكلة يحبها فأكلفه بكتابة مراحل إعدادها ويتعلم من خلالها عدة أمور فهو سيرى ذلك من منظور والمعلم سيراه من منظور آخر وكلاهما سيلتقي ولن يتنافر.. فنقدم له نشاط لا دراسي يستفيد منه وننمي لديه عادة التفكير بالدراسة بطريقة ذكية وغير مباشرة فلا يتمنى زوالها يوما ولا تكون بالنسبة له مصدرا للخوف والألم، بل وسيبقى على اتصال دائم بها، وعندما أقدم له ما يحبه قد يستغرق فيه كل وقت العطلة ومع ذلك يحتفظ بجانب المتعة والترفيه، وهنا تم التأكيد على نقطة مهمة هي ضرورة التنسيق بين الأسرة والمعلم، فمثلا الأولياء في آخر يوم للدراسة يأتون لأخذ كشوف الأبناء وبالتالي هي فرصة للمعلم ليس فقط للحديث عن التحصيل الدراسي للمتعلم بل أيضا للاتفاق على وضع برنامج ثري له أثناء العطلة.

وفي هذا المجال تطرقنا للحديث مع الأستاذة عن التجربة الأولى التي قامت بها المدرسة ويتعلق الأمر بالمخيم الشتوي الأول لتلاميذ المدرسة وكانت الفكرة فكرتهم حيث بقيت الدراسة وانتقلت إلى متعة، فتم تقسيم المخيم إلى قسمين الأول تعليمي تعلمي محض، والثاني ترفيهي، فتحولت الدراسة إلى مدرسة جيل التمكين بالقبة، حيث شاركهم العطلة والدراسة معا الأستاذ المفتش "عبد الرحمن عبد المؤمن"، المشرفة نفسها، أساتذة السنة الخامسة...  وأشارت الأستاذة أن المخيم انطلق فعليا من السبت إلى الثلاثاء في الأسبوع الأول للعطلة، وكلل باختبار تقييمي في المواد (الرياضيات، اللغة العربية، الفرنسية)، ووزع على التلاميذ استبيان للتعبير عن آرائهم حول التجربة، وخصص يوم الأربعاء لرحلة بجبال الشريعة، وقد أوضحت أن التلاميذ تفاعلوا إيجابا مع التجربة سواء من حيث التغيير في موقع الدراسة والذي تحول عندهم لموقع للترفيه، أو من حيث المواضيع المعالجة وطريقة التدريس المعتمدة.
وفي الأخير أشارت الأستاذة إلى وجود مشاريع مستقبلية تتعلق بمحاولة التكثيف من تنظيم الرحلات لفائدة المتعلم.

JoomShaper