د. سامية مشالي
شباب ولكن استطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ، أعمارهم في سن الزهور ولكن خبرتهم تعدت أجيال وأجيال، هم الذين صنعوا الثورة ولا أحد غيرهم، بل هم وقودها، نال منهم ثلاثمائة الشهادة ومازالوا يقدمون حتى يغيروا أوضاعا سياسية واقتصادية واجتماعية طالما رفضوها.
إنهم شباب الفيس بوك الذين غيروا وجه التاريخ، هذا الشباب الذين ينظر إليه بسطحية شديدة يرفع أعلاما للتغيير والإصلاح القادمين ويخفض أعلاما لنظام أراد أن يستبدله بإرادته أولا ومن خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة ثانيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف غيّر هؤلاء الشباب وجه التاريخ من خلال الفيس بوك، بعدما كان ينظر إليهم البعض بسطحية شديدة فيسفهون أحلامهم وأفكارهم وما هي أفكار وطموحات هذا الشباب نحو غد جديد؟
فإلى نص التحقيق. من أحلام الفيس بوك الوردية إلى ساحات التظاهر
في البداية يقول أحمد العجوز (مدون): "مما لا شك فيه أن الشباب هم سر قوة ونهضة أي أمة، ودائما تقاس قوة الأمة والدول بعدد الشباب وقوتهم".
ويضيف، كان ينظر إلى الشباب بشكل عام على أنهم سطحيون ومغيبون ولا يدركون حقائق الأمور.
وكانت هذه النظرة خصوصا إلى شباب الفيس بوك فصرّح أحد المسؤولين بقوله: إن شباب الفيس بوك شباب سطحي ولا يمثل شباب مصر.  وبعضهم قال: إنه شباب يضيع وقته في الشات وعمل الصداقات.
ولفت إلى أنه يتم تشويه صورة شباب الفيس بوك في الإعلام والسينما فنجد مثلا فيلم "رامي الاعتصامى" يصور شباب الفيس بوك على أنه شباب تافه، يتواصل على الفيس بوك من أجل أمور هامشية وصور من يقوم بالمظاهرات منهم بأن مطالبهم مثل مطالب الأطفال!
وأكد أن حقيقة هذا الشباب أظهرت عكس ما كانوا يروجون، فظهرت قوتهم الحقيقية في مصر وتونس، فلقد استطاع الشباب أن يثبتوا للعالم أجمع على أنهم قادرون على أن يغيروا وجه التاريخ، فكانت ثورة شباب مصر بدايتها من الفيس بوك، تلك الثورة التي جعلت مصر تتراجع عن الكثير من قراراتها وخططها المستقبلية من سيناريو التوريث على سبيل المثال، وتفصيل الدستور كي يلائم شخصا بعينه.
وجعلت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تغيير سياستها وأجندتها الخارجية وتتخلى عن كثير من الحكام العرب الذين كان شغلهم الشاغل إرضاء أمريكا و الاتحاد الأوروبي، الكل تخلى عنهم ووقف بجانب الشعوب، وإن كان ذلك لا يعني الشباب لأنهم يستمدون طاقتهم وقوتهم من الله وأنفسهم وليس من إرضاء أمريكا.
ولفت إلى أن الشباب عندما يعرف دوره وقيمته الحقيقية يصنع المعجزات ويفجر الثورات ويغير تاريخ العالم.
وأكد على أنهم ـ كشباب الفيس بوك ـ قادرون على رسم صورة المستقبل المشرق لبلدنا مصر الحبيبة فلدينا الكثير من العقليات الشبابية الواعية، ولدينا الحماسة والقدرة على العمل ليلا و نهارا.  نريد الرفعة والعزة والكرامة والحرية لوطننا.
نريد أن نسير في طريق الإصلاح لوطننا الحبيب مصر، فلا يبقى في وطننا غش ولا تضليل ولا خداع، نريد أن نسير وكرامتنا مصونة ورؤوسنا مرفوعة.  
نريد أن تفتح لنا الحكومات قنوات اتصال معها، لا نريد إقصاء الشباب عن العمل السياسي.  نريد أن نمارس حقوقنا السياسية التي كفلها لنا الدستور والقانون، نريد انتخابات طلابية في الجامعات نمارس فيها حقوقنا المشروعة. نريد حرية للتعبير عن آرائنا في كل وسائل الإعلام .
وأنهى كلامه أن مستقبل مصر ليس بيد قادتها السياسيين ولا العسكريين، مستقبل مصر بيد شبابها الذي يخاف عليها، فعندما قامت الثورة أطلق الرصاص الحي على الشباب وعلى الرغم من سقوط الشهداء إلا أننا لم نخاف فكنا محركا للثورة ووقودا لها.
يقول محمد سليم العبادلة ـ مهندس ـ:  :من اللافت في تلك الظاهرة أنها قد لمست قلوب الشباب وتمكنت من تحويل طاقتهم الكامنة إلى فعل ديناميكي ثوري، بدا مدهشاً إلى حد العالمية في ساعات قليلة، بينما تراخت النخب بعد أن طبعت آلاف الكتب والمجلدات وأنشأت عشرات الأطروحات والنظريات ووجهات النظر التي انتهى بها المطاف إلى استخدامها كديكور خلفي في المقابلات التلفزيونية، حتى أن هذا الشباب وصف هذه النخب بالسطحية.
وأضاف تمكن شباب الفيس بوك من تحريك ملايين البشر في اتجاه مؤثر عميق، يحتاج إلى مقارنة بين هؤلاء الذين يفترشون ميدان التحرير الآن وهم يحتضنون الأرض وأجهزة الكمبيوتر المحمولة معاً متحملين وعثاء السفر وبرودة الجو وعناء قضاء الحاجة في الخلاء، بينما اكتفت العقول المفكرة لسنوات طويلة بتفقدهم والتقاط الصور معهم، ثم العودة إلى بيوتهم حيث الدفء ودورات المياه اللوكس والفراش الوثير، بعدما تعامل الكثير مع ميدان التحرير على أنه مزار سياحي.
ولفت، إلى أن تحرك هذا الشباب طبيعي فهذه هي ديناميكا الجماهير الجارفة التي انتصرت على إستاتيكا النخب الراكدة.
وأنهى كلامه، بأن شباب الفيس بوك استطاع أن يفرض إرادته وقوته من خلال القوة المبرمجة الخفية نفسها كلاعب قوي في إزالة وتركيب أنظمة، وإعادة تهيئة عقول الشباب وزراعة أفكار قابلة للتطوير، كل ذلك قد يبدو جانباً جيداً لهذه الأدوات التي غابت عن النخب المثقفة، والتي ربما لا يستطيع بعضها طباعة بعض الكلمات على حساب التبادل الاجتماعي الخاص به، أو ربما لا يتمكن من إنشاء حساب خاص له بمفرده.
تقول روضة عبد الحميد ـ مدونة ـ: "إن تكنولوجيا الإنترنت وبخاصة الفيس بوك أتاحت للشباب المشاركة، بل صناعة تاريخ بلادهم وربما تغيير المعادلة الجغرافية من جديد ليس في بلادهم ولكن في كل العالم.
وتضيف أن الشباب كان يستخدم هذه التكنولوجيا في بث اعتصاماتهم الفئوية، فهم يدركون تماما قيمة هذه التكنولوجيا وتأثيراتها الناجحة والتي صنعت ثورة أيضا ناجحة بكل المقاييس.
وذكرت أن شباب الفيس بوك شباب واعي ومثقف لدرجة كبيرة، أبهرت العالم أجمع وبخاصة الشباب العربي الذي ثار على كل شيء فانتصر.
ولفتت إلى أنها تنظر للغد على أنه غد مشرق، طالما كان هناك شباب يضحون بدمائهم في سبيل أوطانهم وإعلاء هذه الأوطان.
أبنائنا صناع المستقبل
يقول أحمد فصيح، أب لـثلاثة أبناء، أبنائي شاركوا في حملات الفيس بوك الداعية للتظاهر والاحتجاج، حاولت بكافة السبل والطرق بمعاونة والدتهم إثنائهم عن ذلك فرفضوا.
ويضيف، أبنائي كانوا ينظرون إلينا بسلبية، فهم كانوا يرون أنهم يعملون عملا بطوليا يدفع الجميع لمشاركتهم لا الوقوف أمام ما يصنعون.
ولفت إلى أنه ينظر إلى أبنائه بإجلاء وتقدير شديد، غير أنه يقول :هذه النظرة جاءت متأخرة.
ووصف الدور الذي يقول به الشباب بأنه دور كبير ساعد على نهوض الأمة وتقدمها قرابة خمسين سنة إلى الأمام.
تقول سماح أبو زيد أم لـخمسة أبناء: أبنائي وبناتي وغيرهم من جيل الشباب هم من صنعوا الثورة، فهم القادرون وحدهم على تغيير وجه التاريخ وعلى البناء أيضا.
وأضافت: كنت أظن ككل الأمهات أن الشباب سطحي ليس عنده ما يقدمه، ولا يملك إرادة حقيقية نحو التغيير ولكن الواقع أثبت عكس ذلك فهم يقودون المجتمع كله نحو الإصلاح.
ولفتت إلى أهمية أن تتاح فرص كاملة لهذا الشباب كي يشارك في معركة البناء فلديه من الأدوات التي لم يسمع عنها أحد، وأيضا لا يعرف عنها أحد.
وأنهت كلامها، بأنها أصبحت تنظر إلى الشباب نظرة مختلفة عن السابق، فهم بحسب قولها الصنّاع الحقيقيين لأوطانهم.
تحول فجائي أم طبيعي   
ومن جانبها تقول الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع: "البعض يظن أن تحول الشباب عفوي، والحقيقة أن الشباب طاقة جبارة في الماضي والحاضر والمستقبل، ربما يكون تحركهم ظاهرا للناس الآن ولكنه تحرك عمره أجيال".
وذكرت من المميزات التي تحسب لهذا الشباب أنه قادر على تثقيف نفسه بنفسه هذه من ناحية، كما أنه قادر أيضا على استخدام كافة الوسائل التكنولوجيا وتسخيرها في خدمة أهدافه.
وأضافت الشباب هم الشباب، ولكن اختلفت نظرة الناس إليهم، وهذه ظاهرة إيجابية، فنحن نريد تغيير هذه الصور القاتمة إلى صور أخرى واقعية من جانب وتحمل الأمل من جانب آخر.
ولفتت إلى أن الشباب في مصر حاول الاستفادة من الثورة التونسية وما حققته من إنجازات، واستطاع تصديرها والقيام بها ورعايتها وحراستها في الوقت ذاته.
وأنهت كلامها، بأهمية المشاركة المجتمعية، فعلى قدر أهمية الخبرة والعقل والحكمة على قدر أهمية الحماس، فالاندفاع والمراهنة يبدوان شيئا عظيما، وهذا ما حدث مع الشباب الذي استوعب واقعة وتحرك من خلاله.
ومن جانبه يقول الدكتور هشام حتاتة خبير علم النفس،: "من المهم أن يدرك المجتمع حجم الشباب، وأن يدرك الطريقة التي لابد أن يتعامل بها معهم".
وأضاف: هناك أخطاء مجتمعية كثيرة تتعلق بالتصنيف البشري، بأنك مثلا كشاب لا تدرك قيمة والديك ولا خبراتهم، وكذلك هم لا يدركون قيمتك كشاب قادر على التغيير، وهذه مشكلة تخلق حالة من الانفصام بين المجتمع وأفراده.
وذكر: لابد للمجتمع أن يتعلم من تجربة هذا الشباب، وأن تدرس تجربتهم، وأن يكون التعامل معهم على الصورة التي هم فيها الآن، كما يراهم البعض في مخيلتهم، وأن يكون ذلك من خلال الوسائل التكنولوجية التي يمتلكونها.
ولفت إلى أهمية أن يتعامل المجتمع مع الشاب حسب إدراكه وفهمه الواسع وطموحاته التي وصلت عنان السماء، فالشباب يسبحون في بحور الخيال التي يستطيعون تحقيقه على أرض الواقع.
أفعال الشباب وموقف الدين
ومن جانبه يقول الشيخ جمال قطب: "إن ما يصنعه الشباب أستطيع أن أقول عليه جهاد وكفاح، وأصحابه مأجورين لأنهم قاموا به لتغيير وجه الحياة إلى الأفضل".
وأضاف: أن هؤلاء رفعوا عن الأمة جميعا أثما كبيرا، فإثم الأمة كان في عدم تحركها وتخاذلها، وبالتالي هذا الخروج ربما يكون رفع ما كان على كاهل المجتمع، فقولة حق عند سلطان جائر فرض عين.
وذكر أن التاريخ الإسلامي مليء بنماذج وأمثلة لشباب غيروا وجه التاريخ، شباب ولكنهم كبار في منزلتهم فقد غيروا التاريخ، والمثال في دار الأرقم بن أبى الأرقم، يفتح داره  لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره 16سنة؛ ليعلم الناس ولم يخش أحدا. وهذا أسامة بن زيد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش فيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعمره 18 سنة.
وأنهى كلامه، بأهمية أن يتحرك الشباب، وضرورة أن يسلم الشيوخ أنفسهم لهذا الشباب الذي يقود تغييرا للأفضل، معتبرا، أن الأحياء والأموات منهم شهداء، فمن مات شهيدا والحي مشروع شهادة قادم.

JoomShaper