يقع المراهقون والمراهقات أحياناً كثيرة في حب متبادل. يختلف الناس في تقييم هذا الحب، بعضهم يراه صادقاً بريئاً، وضرورياً لاختبار كل جنس مشاعره العاطفية كخطوة أولى باتجاه النضوج العاطفي والجنسي، في حين يحذر آخرون منه لأنه غالباً ما يأتي في أكثر مراحل التحصيل الدراسي حساسية، ما يؤثر على الشباب سلباً ويتركهم على أنقاض حب عابر ومرحلة دراسية مهتزة أو ربما فاشلة.أكثر من 4000 شاب وفتاة في مصر يتبادلون مشاعر الحب الرومنسي على موقع الـ{فايس بوك» الاجتماعي الشهير وذلك من خلال عشرات المجموعات التي تتحدث عن الحب. وتكمن المشكلة في أن هذه المواقع مزدحمة بالمراهقين ممن تقل أعمارهم عن الثمانية عشر عاماً رافعين شعار «الحب ليس له عمر».
إحدى أشهر هذه المجموعات «حب» والتي تضم 443 عضواً وترى أن الحب تجربة وجودية عميقة تنتزع الإنسان من وحدته القاسية الباردة لكي تقدم له حرارة الحياة المشتركة الدافئة.
عن ذلك تتحدث حسناء عزت (17 عاماً)، إحدى عضوات المجموعة: «يصعب راهناً إيجاد شخص نحبه لذا فإن الإنترنت الحل الوحيد لدينا لنعيش هذا الشعور الرائع. الـ{فايس بوك» مثلاً يتيح الفرصة لكثير من الشباب والفتيات للتعارف وتبادل الحب. صحيح أن معظم هذه العلاقات لا يكتمل، لكن على الأقل نعيش من خلالها تجارب تسعدنا، فمن حق كل إنسان في الحياة مهما كان عمره التنعّم بهذه التجربة الرائعة».
ثمة مجموعة أخرى تحمل عنوان «حب × حب» وتضم 381 عضواً وترفع شعار «الإنسان قبل الحب شيء وعند الحب كل شيء وبعد الحب لا شيء». يرى مؤسسوها أن «الحب أسطورة تعجز البشرية عن إدراكها باستثناء من صدق في نطقها ومعناها فالحب يقرأ ويسمع، يخاطبنا ونخاطبه، يسعدنا ونسعده، وهو عطر وهمس نشعر بسعادته إذا صدقناه في أقوالنا وأفعالنا».
تؤكد مي عبدالمنعم (18 عاماً) أنها اشتركت في المجموعة من باب الفضول فحسب لمعرفة كيف يكون الحب في مثل هذه المجموعات، وتقول: «بصراحة لم أقتنع بمثل هذا النوع من العلاقات فهي سطحية إلى حد كبير وفيها كثير من التجاوزات».
«رسائل حب» هو عنوان مجموعة أخرى تتحدث عن الحب وتضم 278 عضواً وترى أنه من خلال الحب تصبح الحياة جميلة، فهو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف والأحلام، ويؤكد أعضاؤها أن الحب لا يعترف بالأعراف والتقاليد.
يقول هشام عاطف (19 عاماً) أحد أعضاء المجموعة: «ليس ثمة مشكلة في إقامة علاقات عبر الإنترنت، فالـ{فايس بوك» وسيلة مثل وسائل أخرى كثيرة تُستخدم في التعارف. لتبادل كلمات الحب عبر هذه المواقع متعته الخاصة».
غياب عن الواقع
هذه المجموعات هي مجرد نماذج لمجموعات أخرى كثيرة يتحدث فيها المراهقون عن الحب والعلاقات العاطفية، ويعيشون في داخلها حالة من الغياب عن الواقع، والبحث عن عالم رومنسي وشاعري لا يمت للواقع بصلة حيث يرون فيه حلاً لمشاكلهم ويعتقدون أنه السعادة الكبرى حتى لو كان هذا الحب يشغلهم عن أسرهم وبناء مستقبلهم ويدفعهم إلى التمرد على الأعراف والمسلمات كلها.
حول خطورة هذا النوع من العلاقات يقول د.أحمد عبدالله (أستاذ علم النفس في جامعة القاهرة): «بعض الأسر مسؤول عن وصول أبنائه إلى هذه المرحلة، إذ يقتصد في التعبير عن عواطفه تجاه أطفاله معتقداً أن إظهار الحب لهم عيب وحرام، على رغم أنهم يكونون في أمسّ الحاجة للاحتواء والاهتمام من الوالدين في هذه السن. بالإضافة إلي إهمال الوالدين تربية العواطف لدى أبنائهم وتعريفهم بطبيعة تلك المرحلة وكيفية التعامل معها. هذه الأمور كلها تجعلهم يتخبطون ويقعون في الأخطاء، خصوصاً أن هذا النوع من العلاقات تمتلئ به شاشات التلفزيون والصحف والمجلات والقصص حيث يعرضون صوراً مشوّهة عن الحب، الذي هو أرق المشاعر الإنسانية».
توافق د.ماجدة عامر (خبيرة العلاقات الأسرية) عبدالله الرأي وتقول: «على الأسر منع مثل هذه العلاقات لأنها في غالبية الأحيان تخرج عن الحدود المسموح بها. الحب في هذه المرحلة هوائي غير مسؤول».
تتابع عامر: «يروِّج الإعلام للشباب راهناً أن سعادتهم في الحب وبالتالي أصبح هدفهم في الحياة البحث عن الحبيب وليس شريك الحياة، كذلك يرسّخ الإعلام لديهم فكرة أن الشاب الذي يوجد في حياته حبيب هو شخص متوازن وطبيعي وأن عدم وجوده هو شيء غير طبيعي وغير مقبول».
أما د. سعيد المصري (أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة) فيشير إلى «أن لمرحلة المراهقة خصائصها التي ينبغي أن نأخذها بالاعتبار لأن الشخص في هذه الفترة ينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ وبالتالي فإنه يتعرض لاضطرابات وتحولات كثيرة لاكتشاف الذات، من هنا تبدأ المشاعر نحو الجنس الآخر. ومع هذه التحوّلات تكون الأمور لدى الشاب غير مستقرة ومشاعره غير حقيقية».
يشدّد د. المصري على خطورة أن يمر الشاب في هذه المرحلة بأي تجارب سلبية لأن مشاعره في هذه السن تؤثر بشكل كبير على حياته المقبلة، لذا لا بد من أن تنشأ هذه المشاعر في بيئة صحية مناسبة وبالتالي فإن المؤسسات التربوية كلها في المجتمع كالأسرة والمدرسة والإعلام، لا بد من أن يكون لها دور في توعية المراهقين.
يضيف د.المصري: «من المفترض أن يكون دور الأسرة في هذه المرحلة الأكبر لكنه للأسف الأضعف، كذلك دور المدرسة ضعيف جداً، ولا يختلف عنها الإعلام أيضاً الذي أضحى غير مسؤول بل موجّه بدافع الربح. عموماً شعور الحب إحساس طبيعي ولكن عندما يكون موجهاً توجيهاً سلبياً فإنه يصل إلى حد الانفلات، ما يؤدي إلى وجود خبرات سلبية تكون في منتهى الخطورة على حياة الشاب، خصوصاً أننا نعيش في بيئة شرقية لا تعترف بالعلاقات المفتوحة خارج الزواج».
وعي منعدم
يشير د. المصري إلى «أنه حتى في أوروبا والدول الغربية ثمة تقييم لهذه العلاقات ووعي لدى الوالدين لهذه المرحلة ومتطلباتها، وبالتالي لدى الشباب في أوروبا وعي بهذه المرحلة وتقلباتها. أما في مجتمعاتنا الشرقية فالوعي في هذه المرحلة شبه منعدم، ولا يعترف الوالدان أساساً بوجود الحب وضرورة أن تتكوّن مشاعر الشاب في بيئة طبيعية بدلاً من أن يُترك لعوالم أخرى تشكّل خبراته كعالم الأصدقاء الذي أصبح أكثر تأثيراً عليه وأكثر توجيهاً له».
د.هشام عطية (أستاذ الصحافة الإلكترونية في كلية الإعلام- جامعة القاهرة) يتحدث عن دور الإعلام وتأثيره على طبيعة العلاقات بين المراهقين ويؤكد «أن ثمة عوامل عدة تؤثر على علاقة الحب لدى المراهقين، منها أنماط الحياة الغربية التي تقدَّم من خلال المسلسلات والأفلام والبرامج، الإعلام الجديد الذي يتعامل معه الشباب خصوصاً والمتمثل في الـ{فايس بوك» والمنتديات والمواقع الإلكترونية التي تسوّق جميعها لفكرة وجود الصداقة والحب بين الجنسين فيعتاد الأطراف بعد فترة فكرة وجود ما يسمى بالـ «بوي فراند» والـ «غيرل فراند».
يضيف د. عطية: «أظن أن البديل ليس انغلاق الفتيات والشباب على بعضهم بعضاً أو أن يكونوا منفصلين، ولكن ثمة مجالات قد نرسخ من خلالها فكرة الاختلاط المحترم كالمدارس مثلاً حيث يتم تنشئة الصبي والفتات بعيداً عن الصورة الخيالية التي يرسمها كل منهما للآخر بحيث يتعامل الصبي مع البنت على أساس أنها إنسانة طبيعية ولديها عقل وتفكّر».
عن رأي الدين تقول د. آمنة نصير (أستاذة العقيدة والفلسفة في كلية البنات- جامعة الأزهر): «الحب أنواع، ثمة الحب بين أفراد الأسرة، وبين الزوج والزوجة والأبناء وإذا غاب هذا النوع من الحب تنتهي الأسرة، وثمة حب آخر وهو موضوع الخلاف، أي العلاقة بين الشباب والفتيات من دون رابط مقدّس، فإذا كان هذا الحب صادقاً ويتم في إطار نظيف وعلاقة راقية وعلى أمل موعود يسعى الطرفان إليه فلا غبار عليه، ما عدا هذا يدخل الإنسان في دوائر مظلمة، لذا لا بد من ألا ندنس الحب لا بالكلمة القبيحة أو السلوك غير المشروع أو الانفلات الذي نراه أحياناً من شبابنا سواء من خلال الموبايل أو غرف الدردشة أو مواقع الإنترنت والـ{فايس بوك».
صوت العراق