عبد العزيز آل زايد
في ظاهرة نبوية، كان النبي يطيل سجوده ليحتمل على ظهره الحسن والحسين، حتى إنّ بعض المسلمين ظنّ أنه خبر من السماء جاء أو وحيٌ نزل. بل كان أبو بكر يقول: “نِعْم الجمل جملكما”، ويرد النبي: “ونِعْم الراكبان هما”.
بعضنا يقرأ الحادثة مرورًا ويغفل عن لطف النبي بالصغير.. ألم يبلغك مواساته لأبي عمير، حين قال له: “ما فعل النُّغَير؟!”؟ وما أبو عمير هذا إلا طفل هنئ بتدليل رسول الله، فأصبحت قصته حديث المجالس.
هل ندرك فعلًا أهمية إدخال السرور على قلوب الأطفال؟ تعلمتُ من المعلمين القدماء توزيع الحلاوة على الطلاب، وحين نفذت التجربة، كان لها مفعول السحر
في زيارتي الأخيرة للروضة المباركة، اصطحبتُ معي ابني الصغير لأعرِّفه على المعالم الإسلامية، وأعقد أواصر المحبة بينه وبين نبيه، وحين اقتربنا من القبر الشريف للسلام عليه، ازدحمت الجموع فلم يرَ ابني شيئًا. هنا احتملتُ ابني من إبطيه حتى يرى ما لا يراه القصار، فأخذ يكركر ضحكًا وهو يقول: "أنت تضحكني"! كررت المحاولة وأنا أحمله من إبطيه، وهو لا يكف عن الضحك، حتى فشلت محاولاتي، فلجأت إلى التصوير، ليرى ما لم يكن يراه!
بعض الكبار لا ينتبه لرسالة النبي في الوداد مع الصغار، أليس هو الرحمة المهداة؟ أما كان رحمةً للعالمين؟ لماذا لا نتعلم منه فن الرفق والمداراة مع الأطفال؟
في لقطة ذهبية، أهدت طفلة صغيرة ترافق أباها قطعة حلاوة لابني الصغير، هنا انبثقت فكرة أن نوزع الحلاوة لكل طفل نراه أمامنا، واستلم ابني هذه المهمة، فأخذ يلاحق الصغار ليمنحهم هداياه الصغيرة. رغم بساطة التجربة، فإننا كسبنا الكثير من الابتسامات، حتى من الآباء المرافقين، لهذا عقدتُ في عقلي ألا أنسى كيس الحلاوة حين أزور النبي.
الصغير أبسط معروف يفرحه، وكانت أمي تقول: "من أفرح صبيًّا أفرح نبيًّا"! فهل ندرك فعلًا أهمية إدخال السرور على قلوب الأطفال؟ تعلمتُ من المعلمين القدماء توزيع الحلاوة على الطلاب، وحين نفذت التجربة، كان لها مفعول السحر.. أصبحت المدرسة رحلة تنزه وغرفة بهجة، وما القيمة المالية إلا حفنة ريالات بسيطة.
لا أقول لك كن جملاً وبعيرًا لأبنائك، بل أقول: تنبّه لتواضع النبي ومودته للصغار.. من أراد طريق الجنة فليسلك الآثار النبوية، وبالفعل سيصل
كم ابتهاجًا ستصنع بكيس حلاوة صغير؟ ليست القيمة في هذا الكيس العجيب، بقدر ما هي في هذا الشعور الذي يسكنك باللطف على الصغار وخلق المودة معهم، ومن نبينا محمد نتعلم بوادر اللطف. كم منا من سمع أو قرأ المأثورة النبوية: “يا أبا عمير ما فعل النغير؟”، دون أن يفهم المغزى أو يلمح المعنى!
أنا لا أقول لك كن جملاً وبعيرًا لأبنائك، بل أقول لك: تنبّه لتواضع النبي ومودته للصغار.. من أراد طريق الجنة فليسلك الآثار النبوية، وبالفعل سيصل. ألم يصل سراقة بن مالك إلى غار ثور في يوم الهجرة، حين اقتفى الأثر؟ وأنا أقول لك: هناك آثار معنوية لا تزال عالقة وتنتظر الاقتفاء؛ فلِمَ لا تجرب السير خلفها لترى النبي؟
لقد رأيته في عالم الرؤيا، وسترى بنفسك أن ابتسامته، إذا وُضعت في كفة، وكل ما في الدنيا في كفة، لرجحت ابتسامته. فلماذا لا نتعلم منه سر الابتسام، وفن اللطف، وسعادة الحياة؟ لماذا لا تكني صغيرك بأبي عمير أو بأي كنية تليق به؟ لماذا لا تسأل ابنك عن حال حيوانه الصغير كما فعل النبي؟ لماذا لا تطيل السجود إذا ارتحلك أحد أبنائك؟ أليس لنا في النبي خير قدوة؟ فلماذا نقسو على الصغار؟ ونحمل العصا ونمارس الصفع والتقريع؟
اللطف ليس مقالات نقرؤها، بل سلوكًا نخطو به الحياة.. جرّب الاقتفاء، فقد تصل إلى رفيق الجنة، الذي يسرك إذا نظرت إليه، ويُتحفك بالعطر الطيب
إن سلوكياتنا ابتعدت كثيرًا عن نبراس الاقتداء.. نتشدق بالمعلومات، والواقع مُزرٍ! فلماذا لا نفتح صفحة التعلم كما يفعل طفل الابتدائية؟ لنكتب أبجديات الأخلاق في مدرسة الحياة، لا بحمل القلم والتدوين، بل بالفعل والمشاركة. ابدأ بتوزيع كيس الحلاوة لتمرّن قلبك على اللطف.
كنت أرى رجلًا يطعم الحيوانات في الحديقة كل يوم، وكأن إطعامهم فريضة، فماذا استفاد هذا الرجل؟ إننا نتخم الحاويات ببقايا الطعام، وليس للحيوان في زادنا نصيب! لاحظ كيف يعلمنا النبي درس اللطف؛ فحين يأكل تمرًا يعطي النوى لدابته.. فأين تذهب بقايا طعامك؟
اللطف ليس مقالات نقرؤها، بل سلوكًا نخطو به في الحياة.. جرّب الاقتفاء، فقد تصل إلى رفيق الجنة، الذي يسرك إذا نظرت إليه، ويُتحفك بالعطر الطيب.