رانيا علي
جميعنا سمع عن "كافيه خاص بالسيدات".. آخر صيحة في عالم الكافتيريات، البعض أيد الفكرة بخيرها وشرها، واعتبرها مظهرا من مظاهر التحرر يجب الدفاع عنه بلا قيد أو شرط، والبعض الآخر رفضها واعتبرها مبالغة لا تستحق الاهتمام ولا مجرد الالتفات، وفريق ثالث وجدها ضرورة مجتمعية للفتيات والنساء لينعمن بمكان يجدن فيه الحرية والخصوصية والأمان.
لكن لماذا نقف بعيدا نستعرض الآراء؟ وماذا يمنعنا من أن نخوض التجربة بأنفسنا فنقرر معا إذا ما كان المشروع يستحق الاهتمام ومن ثم سيكتب له الاستمرار، أم أنه مجرد موضة أثيرت حولها ضجة مفتعلة لن تلبث أن تمضي وتخمد كزوبعة في فنجان؟

مخاوف وشكوك

توجهت لأول "كافيه" مخصص للسيدات  في منطقة الحي الثامن بمدينة نصر، وتحدثت مع صاحبته  السيدة "مروة  إسماعيل" عن تجربتها في هذا المجال، ومن أين جاءتها هذه الفكرة، وما هي أهم المعوقات التي واجهتها؟

بدأت "مروة" حديثها قائلة: نجاح أي مشروع تجاري يعتمد على مدى احتياج الناس له، وفي ظل التغييرات الاجتماعية التي نحياها الآن نجد أغلب الأسر تخاف على بناتها من الخروج وحدهن أو حتى من الذهاب لبيوت صديقاتهن، وبالتالي نجد كثيرا من أولياء الأمور يصطحبون بناتهم في أي مكان خوفا عليهن من التعرض لأي مضايقات، كما أن الفتيات أو السيدات  في الأسر المحافظة حينما يردن التجمع في منزل إحداهن يضطر الأب أو الزوج أو الإخوة الذكور للخروج من المنزل، ومن هنا جاءتني الفكرة.. لماذا لا يوجد مكان تتجمع فيه الفتيات والسيدات يتمتعن فيه بالحرية والأمان في ذات الوقت، وقررت فتح كافيه للسيدات فقط، يستمتعن فيه بوقتهن دون خروج عن الحدود، يعني ببساطة "إحنا هنا بندردش وبنسمع أغاني، بس ساعة الصلاة نغلقها"، وننظم حفلات أعياد ميلاد ورحلات وغير ذلك.

ولاقت الفكرة قبولا كما توقعت، حتى أن المترددات على الكافيه لم يقتصرن على المنتقبات أو حتى المحجبات فقط، بل تدخله أيضا فتيات لا ترتدين الحجاب ومن جميع الأعمار.

وأول شيء كان يشغل بال الكثير من العائلات ويثير مخاوفهم أن يكون "الكافيه" ستارا يخفي وراءه شبكة للبنات سيئات السمعة، أو المثليات اللاتي يطالبن الآن بحقوق واعتراف قانوني واجتماعي بهن؛ ولذلك كثيرا ما أفاجأ ببعض الأمهات يحضرن لإلقاء نظرة على المكان الذي ترتاده بناتهن ومعرفة نوعية المترددات عليه؛ ولأنني أم وأعرف كم تكون الأم قلقة على أبنائها -ذكورا كانوا أو إناثا- لم تضايقني تلك الزيارات المفاجئة، بل على العكس، كنت أشعر بالمسئولية عن كل فتاة تدخل الكافيه، وحينما أجد مجموعة من البنات يتحدثن مع مجموعة أخرى وتحاول التعرف عليها أسارع بالاقتراب منهن، وأحاول معرفة الموضوعات التي يتحدثن فيها دون أن يشعرن كي أتمكن من التدخل في الوقت المناسب لمنع المحظور.

وبالفعل حدث أكثر من مرة أن دخلت مجموعة من الفتيات أثرن ريبتي بمظهرهن غير اللائق وسلوكياتهن وطريقة تعاملاتهن مع بعضهن، ولكني تعاملت معهن بهدوء شديد، وتعمدت إساءة الخدمة معهن حتى لا يأتين إلى الكافيه مرة أخرى.

ممنوع الاقتراب أو التصوير

أما الشيء الثاني الذي شغل بال كثير من السيدات -ومازال الكلام للسيدة مروة- كان الخوف من وجود كاميرات تقوم بتصويرهن بدون حجاب، وحينما سألتني إحدى السيدات عن ذلك تبسمت قائلة هل أنت شخصية عامة؟ قالت لا.. فقلت ماذا سيعود علي من تصويرك إذن؟!

وبصراحة لو كان هذا غرضي كنت سأفتح كافيه عادي وأضع الكاميرات في دورة مياه السيدات، أو محل ملابس نسائية وأضعها في البروفات.

وتضيف: على الرغم من انتقادنا لعادة التدخين السيئة بالنسبة للرجال، فإن كثيرا من السيدات والفتيات على اختلاف الأعمار كن يدخلن خصيصا لشرب الشيشة، وكأنني فتحت المكان خصيصا لذلك، وأذكر أن سيدة دخلت مع ابنتيها، وحينما علمت أن المكان لا يوجد به تدخين شيشة خرجت من الكافيه على الفور، وذات مرة قالت لي فتاة: "كافيه يعني شيشة"، فرددت قائلة: على حسب علمي كافيه يعني قهوة.. بعدها كتبت على الباب "لا يوجد شيشة"؛ كي أحسم هذه المسألة.

"طلبوها اتعززت"..!

وتتابع صاحبة الكافيه: على الرغم من أننا مجتمع يشكو من البطالة فإنني أعاني كثيرا من مشكلة العمالة، مثلي في ذلك مثل معظم أصحاب المشروعات الصغيرة، من حيث المغالاة في الأجور وعدم تحمل المسئولية، وكثرة الإجازات، خاصة حينما تكون العاملات فتيات.

وعن مراقبة الجهات الأمنية تقول "مروة": ذات مرة قالت لي جارة إن قريبا لها يعمل في أمن الدولة يسأل عني، فقلت لها أنا أسير بمبدأ "امشي عدل يحتار عدوك فيك"، وبصراحة إذا لم يحدث ذلك فهو مؤشر على أن هناك خطرا قائما بالمجتمع، وبالفعل جاءتني أكثر من مرة لجنة من حماية المستهلك والبيئة والإدارة البيطرية وكذلك هيئة مراقبة الأسعار.

بديل المنزل

"هند مختار" واحدة من المترددات على الكافيه.. تصفه قائلة: عرفتني أختي على المكان منذ أكثر من سنة ونصف، ومن يومها ونحن نتردد عليه، فهو مناسب جدا لتجمع الفتيات، وخاصة في فترة الامتحانات؛لتغيير جو المنزل، كما أن أسعاره قريبة جدا من أسعار الكافيهات العادية، فـ"المينيمام تشارج" بـ10 جنيه، وهو سعر جيد جدا بالنسبة للأصناف الجيدة التي يقدمها، والتي أصبحت المفضلة لدينا.

أما "حاتم محمد" فيذكر أنه أبدى تخوفا في البداية حينما أخبرته زوجته عن وجود كافيه تجتمع فيه مع صديقاتها من أن يكون مكانا لتجمع المثليات، لكن بسؤاله عن المكان -دون علم زوجته طبعا- علم أن سمعته جيدة ولا مكان فيها للشائعات التي تتردد حول هذه الأماكن، ثم يعود ويؤكد أنه حتى وإن كان صحيحا فأماكن التجمع كثيرة كمراكز التجميل والنوادي والجامعات والإنترنت، وبشكل عام الفتاة الخلوقة تعلم الصواب من الخطأ والنافع من الضار، وأولا وأخيرا لا يستطيع أحد استئجار بودي جارد لكل امرأة أو فتاة.

وتضيف السيدة "سعاد" ميزة أخرى لهذه الكافيهات، فتروي أنها أرادت عمل خطوبة لابنتها، وكان منزلها صغيرا لا يتسع للحفل، فاستأجرت المكان بالكافيه ودفعت عن كل فرد 10 جنيهات مضافا إليها المشروب، وتبدي إعجابها أيضا بفكرة طلب قائمة طعام في أي وقت ليتم إرسالها للمنزل في اليوم التالي، وترى أنها مناسبة جدا لإقامة الحفلات المنزلية.

مناسبة للمرأة

يعقب الدكتور "صلاح الفوال" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- على هذه الظاهرة بقوله إنها بدأت منذ فترة طويلة، لكنها اقتصرت على بعض التجمعات النسائية في النوادي الاجتماعية، وغالبا ما كانت مكانا لمناقشة الموضوعات والقضايا المهمة، ولكن الجديد كما يراه الفوال أن تجتمع السيدات والفتيات في مكان مغلق يكن فيه أكثر حرية، وتختلف طبيعة الموضوعات التي يتحدثن فيها فتتراوح بين المهم والتافه أحيانا.

ولأن "الكافيهات" تعتبر من أنجح المشاريع التجارية في الوقت الحالي.. يرى أستاذ الاجتماع أنها مناسبة جدا للمرأة التي تريد فتح مشروع تجاري مربح، وتخاف من التعرض لمضايقات مثلها مثل عدة أماكن أخرى لتجمع السيدات التي لا تشهد تلك الاتهامات، مثل صالات الجيم ومراكز التجميل.

ويضيف أن التغيرات الاجتماعية التي نحياها تنبئ عن ظهور موجات من التغيرات في الأصول والتعاملات، وفيما يخص الحديث عن إمكانية أن تكون أماكن لتجمع الشواذ يرى أنه شيء وارد، ولكن هذا في البداية والنهاية يتوقف على تربية الفتيات ومراقبة أولياء الأمور لهن، فحتى لو منعنا الفتيات من الذهاب لهذه الأماكن فمن يضمن لنا أن لا تتعرض الفتاة للتحرش بأي صورة من صوره، سواء من فتاة مثلها أو من الرجال في أي مكان تتواجد فيه.

 

إسلام أون لاين

JoomShaper