عمر يوسف - شمال سوريا
رغم أنه فقد بصره في الخامسة عشر من عمره، فإن مصطفى قاسم ظل يزاول عمل المسحر في قريته بريف حلب شمالي سوريا حتى توقف مؤخرا بعد أن منعه المرض والتقدم في السن إلى عمر 80 عاما.
سنوات طوال وأهالي قرية السحارة بريف حلب لا يعرفون سوى مصطفى قاسم مسحرا لسحور شهر رمضان المبارك، وينهضون من فراشهم فجرا على صوته الأجش وضربات عصاه الخشبية على أبواب منازلهم القديمة، مناديا بالاسم على كل شخص من سكان القرية، كي ينهض لوجبة السحور.
حكاية مسحراتي


منذ أن كان الحاج قاسم شابا في الثلاثين من عمره أصبح هو مسحر القرية الذي لازم أشهر رمضان، ولم تمنعه إصابته بفقدان البصر من أن يتنقّل بين أزقة القرية التي حفظها كما يحفظ اسمه، مطلقا العنان لصوته بالنداء على الأهالي.
ويستذكر الحاج قاسم أشهر رمضان والبسمة ترتسم على وجهه الذي أرهقته السنون وحفرت فيه التجاعيد الكثيرة، وكيف كان السكان يقدمون له الطعام والشراب لأجل فطور رمضان مع حلول أذان المغرب، حيث اعتاد الأهالي على صوته حتى مع وجود المنبهات والهواتف النقالة حتى أصبح جزءا من الشهر الكريم.
ويروي الحاج قاسم للجزيرة نت كيف كان يسرح بأغنامه نحو المراعي القريبة من القرية ويقضي يومه معها، وعند المساء يخلد لتلاوة أجزاء من القرآن التي حفظها سماعا من مشايخ القرية، فهو لم يتعلم القراءة والكتابة.
لم يرتد الحاج قاسم أي زي تقليدي كما دأب المسحرون في شهر رمضان، ولم يحمل يوما طبلة، بل كان يحمل عصاه الخشبية الغليظة التي كانت وسيلته لإيقاظ أهالي قريته، وكان لا يرحل عن منزل أحدهم قبل أن يتأكد من أنه نهض من فراشه لتناول السحور، كما يقول.
ذكريات جميلة
يمثل الحاج قاسم جزءا من ذكريات معظم سكان القرية، لا سيما وأنه يرتبط بأيام الألفة والمحبة في شهر رمضان المبارك، فلكل منهم قصة مع هذا الرجل المسن.
محمد أمين محليس أحد سكان القرية، يعود بذاكرته إلى أكثر من 30 عاما عندما بدأ يصوم للمرة الأولى شهر رمضان منتظرا خلال وقت السحور قدوم الحاج مصطفى الذي اعتاد أن يوزع السكاكر والحلوى الملونة على الأطفال الذين يخرجون لإلقاء التحية عليه.
ويقول ملحيس (40 عاما) للجزيرة نت إن المسحر المسن كان يخبئ في ثوبه كميات كبيرة من الحلوى، وكان يشعر بالسعادة تغمره وهو يسمع صراخ الأطفال من حوله وهم يطلبون منه السكاكر، مضيفا أنه استمر على هذا التقليد لعدة سنوات.
قصص طريفة
ومن القصص الطريفة التي لا ينساها محليس عن المسحر العجوز والتي أصبحت حديث القرية قبل سنوات، قصة قدوم شاب غريب إلى القرية ولقائه بالحاج مصطفى قاسم وهو يرعى أغنامه في الأحراش القريبة، حيث طلب الشاب الاستدلال على منزل أحد سكان القرية وهنا كانت الطرفة.
ويكمل ملحيس وهو يكتم ضحكته أن الحاج قاسم رفع عصاه، مشيرا إلى شجرة التوت وهو يخاطب الشاب الزائر بأن يذهب إليها، فقربها يقع المنزل المطلوب، ولدى وصول الشاب إلى أقاربه أخبرهم أن عجوزا يرعى الأغنام دلّه على منزلهم، ليردوا عليه وهم في حال ذهول بأنه الحاج مصطفى الفاقد لبصره.

JoomShaper