هبة محمد

دمشق ـ «القدس العربي»: وسط استمرار موجة الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المواد الغذائية في قرى وبلدات الشمال السوري وجدت نساء كثيرات في أرياف إدلب في الزراعة المنزلية وإنتاج المؤونة بابا للعيش الذي لا يقتصر على تأمين حاجات الأسرة اليومية فقط، بل يتعداها ليغذي الأسواق المحلية في القرى والبلدات القريبة بمنتجات طازجة.

ففي القرى الممتدة على أطراف مدينة إدلب مثل كفردريان وكللي وكفرعروق وتفتناز وبنش وحارم، تعمل النساء بالزراعة كمورد رزق، وخاصة في قرية حزانو في ريف إدلب الشمالي.

وشرحت الناشطة الميدانية نور بري لـ« القدس العربي»: عن استغلال نساء القرية المساحات الصغيرة والأراضي الزراعية المحيطة ببيوت القرية، حيث تحولت إلى مزارع مصغّرة.

تبدأ النساء عملهن مع حلول الربيع، حسب الشابة التي تتحدث عن مشاهداتها لعمل والدتها ونساء العائلة وذلك «بزرع شتلات الخضار الموسمية مثل البندورة، الخيار، الكوسا، الفليفلة والباذنجان، مستخدمات وسائل ري بسيطة تعتمد غالبا على مياه الآبار أو شبكات محلية بدائية».

وتضيف: تقوم النساء بالعناية اليومية بالنباتات عبر الري وإزالة الأعشاب الضارة والتسميد الطبيعي أحيانا ومع بداية الصيف تبدأ مرحلة القطاف حيث يفرز الإنتاج بين ما يستهلك داخل المنزل وما يخصص للبيع أو للتحويل إلى مؤونة شتوية.

سارة ربيع، ربة منزل في ريف إدلب، تقول لـ «القدس العربي»: نعيش أنا وعائلتي من خضرة البيت، سواء بالمردود المادي الناتج عن بيع محاصيل الصيفي أو توفير مواد الطبخ اليومي لعائلتي.

مع بزوغ فجر كل يوم، تخرج سارة وهي من سكان بلدة معردبسة من منزلها تاركة أطفالها في المنزل، وتقول: أبيع الخضار وثمار الأرض للجيران ولبعض المتاجر الصغيرة في أسواق القرية من الفليفلة بأنواعها والطماطم وأنواع المخللات، وطوال أشهر الصيف لا أضطر لشراء أي نوع من الخضار لبيتي.

ولا يتوقف عمل النساء عند بيع الخضار والثمار الطازجة بل يتعداه إلى تصنيع جزء من المحاصيل وتحويلها إلى مؤونة تحفظ لفصل الشتاء مثل دبس البندورة ودبس الفليفلة ودبس الرمان، فهذه المنتجات لا تؤمّن مخزونا للأسرة فحسب بل تلقى رواجا في الأسواق المحلية حيث يفضل كثير من المستهلكين شراء المنتجات البيتية التي تتميز بجودتها.

أحلام، وهي سيدة خمسينية من بلدة كفرعروق تحدثت عن تجربتها قائلة: ما إن تبدأ الدفعة الأولى من المحاصيل الزراعية بالحمل مع بداية الموسم، حتى أقوم بالشتل من جديد «وهيك يبقى عندي إنتاج لآخر الصيف غير الخضرة اللي عم ناكل منها يوميا، وهذا كله غير شجر رمان وبيع ثماره وإنتاج دبس رمان للبيت وبيع الفائض منه لجيراني أو بالسوق، وبفضل النوعية الممتازة التي أصنعها والمعروفة بأنها خالية من الغش، صار لي عدد كبير من الزبائن الذين يطلبون مني المؤنة اللازمة لمنازلهم منذ بداية الموسم».

وتحولت هذه المشاريع الصغيرة حسب الناشطة العشرينية نور بري وهي طالبة في كلية العلوم السياسية في ريف إدلب إلى «مصدر رزق لا يستهان به في ظل شح فرص العمل وصعوبة الأوضاع الاقتصادية فالمردود المادي يختلف حسب حجم الأرض المزروعة وطبيعة المنتجات، لكنه في كثير من الأحيان يغطي جزءا من مصاريف الأسرة الأساسية كشراء الخبز والماء والمواد التموينية وغيرها».

وتقول بري: يوفر بيع الفائض من الإنتاج لربة منزل تعمل في الزراعة وتبيع المؤنة، دخلا يوميا يزيد في بعض الأحيان عن 50 ليرة تركية، وهو مبلغ مهم في ظل الارتفاع الكبير للأسعار، حيث يقارب المدخول الشهري 1500 ليرة تركية أي 37 دولارا أمريكيا، بينما يبدأ إيجار المنزل شهريا بنحو 50 دولارا أمريكيا في بعض المناطق في أرياف إدلب.

ورغم المرابح الجيدة بالنسبة للعائلات التي تعتمد على مردود زراعة المحاصيل الصيفية، فإن هذا النوع من الأعمال لا يخلو من التحديات والمصاعب التي تواجه المزارعين، أبرزها شحّ المياه وارتفاع تكاليف الأسمدة وصعوبة نقل الخضار إلى الأسواق البعيدة ما يضطر بعض النساء للاكتفاء بالبيع ضمن القرية أو للجيران.

وتضيف نور: لا يقتصر أثر هذا النوع من الأعمال على الجانب المعيشي في قرى ريف إدلب، بل يمتد ليعزز الأمن الغذائي المحلي ويغذي الأسواق بمنتجات طازجة بأسعار أقل نسبيا من ذات السلع في المدينة والمناطق الأخرى، كما أن العمل في زراعة الأراضي «أعاد إحياء روح العمل الجماعي في العائلة حيث يشارك الأبناء والرجال أحيانا في الري والقطاف فيما يتركز عمل النساء بدور أساسي على التنظيم والتصنيع والتسويق».

وبرأي المتحدثة فإنه بالرغم من المشقة اليومية التي تواجهها نساء إدلب في الزراعة والعمل اليدوي إلا أن «هذه الجهود تبرز كقصص نجاح وصمود في وجه الظروف القاسية، فالنساء لم يكتفين بإطعام أسرهن فقط بل أصبحن شريكات في الدورة الاقتصادية المحلية عبر تغذية الأسواق بمنتجات زراعية وغذائية تحمل بصمة البيت الريفي السوري».

ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر وإن واحدا من كل أربعة عاطل عن العمل، ولكن اقتصاد البلاد يمكن أن يستعيد مستواه قبل الصراع في غضون عقد من الزمان في ظل نمو قوي.

وجاء في التقرير الذي أصدره البرنامج العام الجاري، وحمل عنوان «تأثير الصراع في سوريا: اقتصاد مُدمَر وفقر مستشر وطريق صعب إلى الأمام نحو التعافي الاجتماعي والاقتصادي»، أن 14 عاما من الصراع في سوريا أفسدت ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري.

وأفاد التقرير بأن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض إلى أقل من نصف قيمته منذ بدء الصراع في عام 2011، وتضاعفت البطالة ثلاث مرات، وأصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلا عن العمل الآن، كما أدى تدهور البنية الأساسية العامة إلى مضاعفة تأثير الصراع بشكل كبير.

وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر إنه إلى جانب المساعدات الإنسانية الفورية، يتطلب تعافي سوريا استثمارا طويل الأجل في التنمية لبناء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشعبها.

وأضاف: «أن استعادة الإنتاجية من أجل خلق فرص العمل وتخفيف حدة الفقر، وتنشيط الزراعة من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية للخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة، كلها عوامل أساسية لتحقيق مستقبل مستدام، والازدهار، والسلام»

JoomShaper