مصعب الياسين
لا خيارات أمام النازحين في الشمال السوري، إذ تحاصرهم نفايات المصافي النفطية البدائية المعروفة بـ"الحراقات" ويتراكم تأثيرها الملوث في الهواء والماء ليقتلهم ببطء، بينما استخدام الفحم الناتج عنها يقضي عليهم فوراً.
- قض البرد القارس مضاجع أسرة النازح السوري عبد المنعم حمادة المؤلفة من خمسة أفراد، والمقيمة في مخيم أطمة شمال إدلب بالشمال السوري، فما كان من الأم إلا أن أبقت المدفأة التي تعمل بالفحم مشتعلة بالقرب من أطفالها الثلاثة طوال ليلة الخامس عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، لكنها فجعت صباحاً بجثثهم الهامدة، لتنتهي حياة من معاناة "آلام القصف والتهجير القسري"، و"بدون سابق إنذار فقدناهم بعدما قضوا خنقاً"، يتذكر حمادة مأساته بينما يرويها متحسراً لـ"العربي الجديد".
قبل وقوع الكارثة بأيام، لم يجد الأب سوى فحم محلي معروض على الطرقات، سعره يناسب دخله الضعيف، هو وباقي السكان خاصة النازحين في شمال غرب سورية، والذين يشترون الفحم غير المعالج الناتج عن مخلفات الحراقات النفطية البدائية (مصافٍ) المنتشرة هناك.
ومن هذه المصافي يشتري التاجر حمزة صهريج، مالك محل لمواد التدفئة في مدينة عفرين بريف محافظة حلب الغربي، ما يبيعه لزبائنه في متجره "ولا أحد يسأل عن مضار الفحم بقدر التأكد من السعر واستمرارية الاشتعال، وقد يكفي طن واحد العائلة لموسم كامل ويبلغ سعره 130 دولاراً أميركياً، وأكثر عمليات الشراء تكون بالتجزئة، أي بالكيس ووزنه 50 كيلوغراماً وسعره سبعة دولارات".
سحق أجساد السوريين... متلازمة الهرس تدمر حياة الناجين من قصف النظام
قاتل صامت
في البدء لم يتضح سبب موت أبناء حمادة الثلاثة، إلى أن تم نقلهم إلى مشفى أطمة الخيري، وهناك تبين أنهم توفوا نتيجة التسمم بغاز أول أكسيد الكربون CO وفق ما جاء في تقارير الوفاة الصادرة في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، وبحسب طبيب الأمراض الداخلية علي رحال، والذي كشف على الجثث، ظهرت عليهم علامات تدلل على الاختناق مثل زرقة الشفاه والأطراف وبرودتها وبعد تقييم الحالة القلبية والرئوية تبين أن عمل القلب توقف وكذلك التنفس قبل ساعتين من وصولهم إلى المشفى.
ولم تكن عائلة حمادة المهجرة من مدينة اللطامنة شمالي حماة الوحيدة التي تضررت من مخلفات المصافي البدائية، إذ أعلن الدفاع المدني بعد أسبوعين عن تسمم أسرة نازحة مؤلفة من سبعة أفراد وتقيم في مخيم الكويت قرب بلدة حربنوش شمال إدلب، وإصابتهم باختناق حاد ناتج عن استخدام الفحم ذاته.
ووصل عدد ضحايا التسمم جراء استنشاق الغازات الناتجة عن احتراق الفحم منذ عام 2020 وحتى الثامن من فبراير/شباط 2024 إلى 18 شخصاً، بينهم ستة أطفال وخمس نساء، بينما أصيب 26 آخرون بينهم سبع نساء وتسعة أطفال، وفق ما وثقه فريق "منسقو استجابة سورية" (منظمة إنسانية).
وتؤكد الحوادث السابقة، الإقبال الكبير على استخدام هذا النوع من الفحم، والذي تعتبر قرية ترحين بالقرب من مدينة الباب شمالي محافظة حلب شمال غربي البلاد مصدراً رئيسياً له، إذ يعمل في محيطها 1000 حراقة بدأ تأسيسها في الربع الأخير من عام 2017، كما يقول أنور الكجي أحد تجار المحروقات النفطية.
وينتج عن احتراق الفحم غاز أول أكسيد الكربون co السامّ، والذي يزداد خطر التسمم به في الأماكن المغلقة، إذ يصل لجسم الإنسان عن طريق الاتحاد مع الهيموغلوبين وإزاحة الأوكسجين في خلايا الدم الحمراء، كما يشرح الطبيب رحال، ويعدّ أنشط بـ 300 مرة من الأوكسجين من حيث قدرته على الاتحاد مع الهيموغلوبين، ويؤدي تراكم مستويات خطيرة من الغاز بالجسم إلى الإصابة بشلل الأطراف وعدم القدرة على الحركة أو الكلام، ولا يكون المصاب قادراً إلا على إصدار أنين بسيط، بسبب تأثر الدماغ والأطراف لينتهي به الحال إلى الوفاة في مدة أقصاها ساعتان.
وفاة 18 شخصاً جراء التسمم بالغازات الناتجة من احتراق الفحم
ولا يعد التسمم الخطر الوحيد الذي يهدد فقراء الشمال السوري، كما يرصد الطبيب قصي رشواني، المختص بالطب الباطني والذي يعمل في مشفى الرحمة بدركوش غربي إدلب، قائلاً إن أول أكسيد الكربون والميثان، من الأسباب المسؤولة عن ازدياد نسبة سرطانات الرئة والدم بين السكان. واستناداً إلى بيانات إدارة معبر باب الهوى (منفذ حدودي بين سورية وتركيا)، بلغ عدد مرضى السرطان الذين توجهوا إلى تركيا طلباً للعلاج 1900 حالة عام 2018. وتزايد عدد المصابين بالمرض في الشمال السوري حتى نهاية العام الماضي إلى 3000 حالة بحسب بيانات مديرية صحة إدلب.
تجارب السلاح الروسي... كورنيت المطور يوغل في دماء المدنيين السوريين
لا خيارات أمام الفقراء
يصل النفط الخام من مناطق شرق سورية، حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلى الحراقات البدائية في ترحين ومحيطها، ليجري استخراج المازوت والبنزين والكاز، وينتج الفحم عن هذه العملية، وفق إفادة أحمد العبد الله مالك إحدى الحراقات في ترحين، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن تكرير 75 طناً من "الفيول" ينتج عنها عشرة أطنان من الفحم، يتم جمعها من الحراقات يدوياً بواسطة عمال من أبناء المنطقة والنازحين، ويباع المنتج إلى التجار ويشتريه الناس للتدفئة في المنازل وفي المداجن، نظراً لرخص ثمنه مقارنة بالمازوت الذي وصل سعره إلى 150 دولاراً للبرميل، إلى جانب أن سعر الحطب وقشور الفستق والمشمش قفز لمستويات تجاوزت 180 دولاراً، كما يقول النازح طلال الوداع، والذي يقطن مخيم الأمل في مدينة معرة مصرين شمال إدلب.
وأدى انخفاض المساعدات الأممية والدولية المقدمة للنازحين، خلال الشتاء الماضي، إلى الاعتماد أكثر على النفايات النفطية كوسيلة تدفئة في ظل تناقص درجات الحرارة، بحسب ما أجمع عليه النازحون الذين التقاهم معد التحقيق، ومن بينهم أحمد العي القاطن في مخيم أطمة، واصفاً معاناتهم بقوله إن "الخيمة تتحول إلى ثلاجة بعد إطفاء المدفأة في ليالي الشتاء القاسية، لذلك يلجأ النازحون لإبقاء المدفأة مشتعلة ليلاً بالاعتماد على أي من مواد التدفئة المتوفرة".
إفادة العي ورفاقه النازحين، تؤكدها نتائج استبيان حول الاستجابة الإنسانية الشتوية في شمال غرب سورية، أجراه فريق "منسقو استجابة سورية" في 26 يناير الماضي، ويبين أن 193 مخيماً يقطنها أكثر من 68.483 نازحاً لم يحصلوا على مواد التدفئة لهذا العام، في حين حصل 5 آلاف نازح على مواد تدفئة تكفي شهراً واحداً فقط، واشتكى 66% من إجمالي النازحين الذين حصلوا عليها من رداءة أنواع المواد المستخدمة التي تم تقديمها.
مخاطر التخلص العشوائي من النفايات النفطية
تختلف طرق التخلص من المخلفات الناتجة عن تكرير النفط في الحراقات البدائية، وبحسب محمود العبود رئيس الدائرة الفنية بالمديرية العامة للمشتقات النفطية في حكومة الإنقاذ بإدلب، والذي شغل سابقاً منصب رئيس قسم في الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (حكومية)، تنتج المصافي البدائية كميات كبيرة من النفايات السامة وغير السامة أثناء استخراج النفط وتكريره ونقله، وما يؤدي إلى تلوث الهواء ببعض المركبات العضوية المتطايرة ومركبات النيتروجين والكبريت، كذلك يلوث النفط المتسرب الماء والتربة بمستويات خطيرة جداً، ومن بين أكثر المخلفات خطراً، والتي تتركز في المياه الملوثة الناتجة عن عملية التكرير، التولوين (اسمه العلمي ميثيل البنزين، وهو من المذيبات المستخدمة في المطاط والبلاستيك)، والزيلين (ويُعرَف بزيت الخشب، هو سائل هيدروكربوني قابل للاشتعال يستخدم كمذيب وكمادة أولية في صناعة الأصباغ والمواد المتفجرة) والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات (تتألف مما يزيد عن 100 مادة من المواد الكيميائية المختلفة التي تتشكل أثناء الاحتراق غير الكامل للفحم، والزيت، والغاز، والقمامة)، والتي تعد سبباً للسرطان في حال استنشاق الهواء الذي يحتوي عليها في المكان الذي يتم فيه إنتاج الفحم أو الإسفلت وكذلك منشآت حرق النفايات، أو لمس خلائط الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات لفترات طويلة، بحسب ورقة حقائق صادرة عن مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها الأميركي CDC.
ينذر تسرب رواسب النفط السائلة بتلوث خزانات المياه الجوفية
وتستخدم أحواض تبريد أرضية في الحراقات البدائية التي جال معد التحقيق ميدانياً في مواقع خمس منها ببلدة ترحين، وهي عبارة عن حفرة معبأة بالمياه تمر من خلالها الأنابيب المعدنية الخارجة من المصفاة والتي تنتهي عند خزانات تفريغ المازوت والبنزين والكاز، والهدف منها زيادة سيولة المواد النفطية، بحسب ما يوضحه العامل في إحدى الحراقات شمس الدين محمد جميل، وبالتالي، تبقى احتمالية تسرب المشتقات النفطية إلى مياه حفرة التبريد قائمة، ما ينذر بخطر وصول نواتج المشتقات النفطية المختلطة بها إلى المياه الجوفية وبلوغها مياه الشرب والري، ما يعني أضراراً بالغة على الإنسان والبيئة، كما يؤكد المهندس جادو السرحان العامل سابقاً في حقول فوسفات حمص.
ولا يُشترط ظهور آثار التلوث على المياه الجوفية خلال سنوات محددة من عمل الحراقات، وفق إفادة نقيب جمعية الجيولوجيين السوريين الأحرار التابعة لوزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ علي الشاهر، إذ تتحكم نوعية الطبقات السطحية ومدى النفاذ في درجة التسرب، وأغلب الطبقات الصخرية السطحية في ترحين غضارية (طينية) كلسية ذات نفاذ قليل ومع ذلك ينصح بتوخي الحذر واستعمال عوامل حماية، خاصة أن عمق المياه الجوفية في المنطقة حوالي 300 متر. لكن الباحث وأستاذ الجيولوجيا في جامعة حلب نادر العثمان يحذر من "أن السنوات القادمة ستحمل كارثة حقيقية إذا لم تتخذ السلطات حلولاً بخصوص أحواض تبريد النفط وإيجاد آلية أكثر أمناًَ للتكرير الذي يتسرب منه كميات سيظهر أثرها بعد تزايدها مع مرور الأعوام".
غمامات من الغازات السامة
يسكن بين حراقات النفط أكثر من 3000 نسمة، منهم العمال وأصحاب الحراقات والباحثون عن عمل وغيرهم مع عائلاتهم، كما يقول عضو نقابة المحامين السوريين الأحرار في منطقة الباب حسام الحلبي. ولا تبعد المساكن عن الحراقات كثيراً، وهؤلاء هم الأكثر عرضة لنواتج وفضلات تكرير النفط بالطريقة البدائية، وفق إفادة زامل الوداع، المهجَّر قسرياً من دير الزور شرقيّ سورية والذي يسكن في تجمع الحراقات، واصفاً ما يحدث لدى تسخين النفط الخام بأن "نواتج الاحتراق تغطي سماء المنطقة بغمامة سوداء وتسود رائحة كريهة تسبب المشاكل التنفسية للسكان، وقد تصل إلى حد الاختناق".
وينتج عن احتراق الفحم الذي يعاد استخدامه في المنازل أكثر من 20 مادة كيميائية، منها الزرنيخ والرصاص والزئبق والنيكل والكادميوم والباريوم والكروم والنحاس والزنك والسيلينيوم والراديوم، كذلك ينتج الأكاسيد والغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، وكذلك ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، وهيدرات نتريدات الكربون والكبريت، ما يجعل الفحم أكبر مساهم في زيادة مستوى الاحتباس الحراري، كما تسبب مخلفات الاحتراق مشاكل في خصوبة التربة وتلويث المياه السطحية والجوفية، في حال عدم خضوع عمليات نقل النفايات النفطية إلى معايير الأمن والسلامة، وفق توضيح أستاذ العلوم البيئية في جامعة دمشق، أحمد موسى الأكتع.
ويتزايد خطر وأثر الغازات السامة على العاملين في حراقات النفط وخاصة من يقضون فترات زمنية طويلة، ويعد الأطفال المتخصصون بكشط طبقات الفحم من داخل الحراقات الأكثر عرضة للإصابة، إذ تنتشر بينهم أمراض الجهاز التنفسي وأخرى جلدية جراء استنشاقهم لغازات أحادي أكسيد الكربون والنيتروجين، كما يوضح الصيدلي البيولوجي عبد الهادي دبوس، والذي يتلقى العديد من الاستشارات من سكان تجمع الحراقات، لعدم وجود مركز صحي أو مستشفى في ترحين، بينما يعتمد أهالي المنطقة على الذهاب إلى الصيدليات أو الأطباء في المناطق المجاورة.
تتقاطع الإفادة السابقة مع شهادة طبيب للأمراض التنفسية يعمل في عيادة خاصة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وطلب عدم ذكر اسمه لكونه يتنقل بين مناطق النظام والشمال السوري، قائلاً إن نحو 28 شخصاً بين طفل وبالغ من قرية ترحين حيث حراقات النفط يراجعون العيادة شهرياً لمعاناتهم من التهابات رئوية والتهابات في القصبات الهوائية نتيجة استنشاقهم المتكرر لغازات ناتجة من احتراق الفحم ومن عملية تكرير النفط، و"هو رقم مرتفع مقارنة بعدد سكان القرية الذي لا يتجاوز 4500 نسمة".
انتحار الأطفال المهجرين... إنهاء مؤلم لقسوة الحياة في سورية
تراجع إنتاج القمح في حقل طالب الحمودي الذي يبعد عن تجمع الحراقات في ترحين كيلومترين فقط، من 400 كيلوغرام للدونم الواحد في عام 2017 إلى 150 كيلوغراما في عام 2024، ولم يعد المحصول يغطي تكاليف الزراعة. وهو ما تكرر مع ثابت الحملان الذي عزف منذ عام 2019 عن زراعة الخضار في حقله الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن حراقات ترحين بسبب كثرة الأمراض التي تصيب المزروعات، ولا سيما الخيار والكوسا والبندورة، قائلا في إفادته لـ "العربي الجديد" إنّ تكاليف المبيدات باتت أكثر من عائد بيع الخضروات، "والسبب ما تنتجه الحراقات من سموم تملأ الجو وفي بعض الأيام لا نرى الشمس طوال اليوم بسبب الأدخنة المنتشرة في السماء، ودائماً ما يتساقط رذاذ الفحم الصلب في الحقل وعلى سطح بيتي".
وتتسبب المركبات الكيميائية التي تنطلق في الهواء جراء عمليات تكرير النفط وتسخيته بطرق بدائية في تساقط الأمطار الحمضية (تحتوي على نسب عالية من أيونات الهيدروجين) والتي تزيد حموضة التربة وتتسبب بإصابة النباتات بأمراض التعفن وتصبغ الأوراق واحتراقها والتفحم للقمح والتبقع السبتوري، كما يرصد المهندس الزراعي العامل في دائرة زراعة حماة نعمان الكنداوي، مضيفا أن تأثير الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، يتسبب مع طول أمد وجودها بالجو والتربة في إصابة الخضروات والنباتات بمواد مسرطنة تنتقل من طريق الغذاء للإنسان.
من يتحمل المسؤولية؟
تسيطر على منطقة حراقات ترحين 3 فصائل عسكرية، هي أحرار الشام وفرقة الحمزة التابعة للجيش السوري الحر، وأحرار الشرقية، في الوقت الذي يغيب فيه وصول دوائر الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية وهيئات الإدارية إلى الحراقات، بحسب ما يجمع عليه 5 من أصحاب الحراقات الذين قابلهم معد التحقيق. ويكشف أحدهم (رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي)، أن الفصائل العسكرية تكلف أصحاب الحراقات بالتكرير وإنتاج المشتقات النفطية، مقابل أجور يتقاضونها بحسب كمية الفيول، أما المشتقات والمخلفات، فيذهب ثمنها للفصائل العسكرية أيضا.
وتحول سيطرة الفصائل على استيراد النفط وبيعه دون تمكين الحكومة المؤقتة أو المؤسسات ذات الاختصاص من وضع قوانين ومعايير لإدارة العملية بكاملها ولا سيما كيفية التعامل مع مخلفات النفط وحماية العاملين وفق قواعد الأمن والسلامة، بحسب ما ما يقوله المحامي شجاع الفرتاوي، والذي يدير مكتبه في مدينة أعزاز شمال غرب حلب شمال البلاد. وهو ما يؤكده رد المكتب الإعلامي للحكومة السورية المؤقتة المكتوب الذي تلقاه "العربي الجديد"، مبينا أنه لا يوجد مديرية مختصة بهذا الشأن، ولا وجود لأي قوانين تلزم أصحاب الحراقات باتباع إجراءات السلامة العامة للحفاظ على صحة الإنسان وعلى البيئة من نواتج مخلفات النفط.
وسط هذه الفوضى والأمراض المتفاقمة، ما زالت والدة الطفل وجدي قرميزي (15 عاماً)، تقضي ساعات طوالاً في عيادة الأمراض التنفسية بعد إصابته بالتهاب رئوي كاد أن يقضي على حياته جراء عمله في كشط طبقة الفحم من داخل الحراقة وإخراجها، نظراً لضيق مكان العمل وجسده النحيف الذي مكنه من الولوج داخلها، حيث لا هواء سوى غازات الفحم ورائحة النفط المحترق.
وبالرغم من عملهم بخطورة المهنة، لم يكن أمام أسرة الطفل قرميزي أي خيار، إذ لم تجد طريقة للحصول على قوت يومهم بعد النزوح من دير الزور إلى مدينة الباب في عام 2018 سوى عمل الابن البكر في حراقات النفط بأجر يصل إلى 200 دولار شهرياً، وفي كل الأحوال يظل هذا الأمر "أفضل من تسول الأم من أجل تأمين قوت أطفالها".