عمان- في الطفولة ومآسيها تكثر الأفلام، ومع ارتفاع نسبة المهاجرين إلى ألمانيا وصعوبة الوصول إليها خاصة عبر البحر، يأتي فيلم المخرج فيسار مورينو "باباي" ليقدم فيها ما يتكبده الأطفال والضريبة التي يدفعونها للحاق بذويهم في الهجرة والمآسي التي تترتب عليها.
نوري طفل في العاشرة من عمره، يخوض تجربة صعبة ليصل إلى ألمانيا، في أحداث تدور في تسعينيات القرن الماضي في كوسوفو التي عاشت صراعا قويا مع صربيا مشردة الكثير من العائلات والأطفال، ولكن هذا الطفل شهد مأساة أكبر حين تخلت والدته عنه ووالده يعمل بشكل متقطع بأعمال غير مجدية، ليتركه ويرحل قبل أن يلتقيا مجددا في ألمانيا وتتجدد المعاناة، وهو فيلم يحمل براعة السرد عن عالم المهاجرين غير المرغوب بهم
لأسباب اقتصادية.
نوري يمثل الآلاف من الأطفال حول العالم الذين يعيشون حياة غير مستقرة في الشوارع؛ حيث صور مورينو الأب لذلك الطفل بأنه غير مسؤول يعامله كعبء على كاهله، فيما الطفل في سن لا يدرك ما الذي يواجهه في ظل إخفاء الأب رغبته بالهرب بعيدا عنه.
بعض الشخصيات في الفيلم تميل لكونها ساذجة في ظل غياب عنصر الميلودراما لمثل هذا النوع من القصص، لكنه يتلقط الجوهر الأساسي للقصة وهو واقع اللاجئين المرير؛ إذ إنه من المشهد الأول للفيلم يظهر ضعف الطفل ومصاعب الرحلة التي سيخوضها متنقلا من كوسوفو إلى إيطاليا ومن ثم ألمانيا.
ولأن الفيلم يحمل وجهة نظر محدودة، فإن تسلسل الأحداث مشوش قليلا، كما في مشاهد العنف ضد الطفل حين يتعرض للسرقة وسوء المعاملة، على غرار تلك التي مر بها العديد من الكوسوفيين، مقابل مشاهد أخرى تبدو تعليمية، لا سيما تلك التي تتحدث عن نظرة البلدان الغنية وآلية تعاملها مع الفقراء، فيظل عدم فهم الطفل لكل ما يجري حوله؛ حيث تعامل المخرج مع نصه بعقلانية مفرطة في سرده، بعيدا عن أي استجابة عاطفية لمواقف تتطلب الغضب مثلا أو تلك التي تتعامل مع الخوف من الهجر والتخلي.
فيلم ذو لهجة متشائمة بشكل عال، تربط ما يحدث على الحدود الأوروبية، لاسيما أوروبا الغربية، الذي تقاطع في أحداث هذه القصة مع أحداث اليوم في تدفق اللاجئين على القارة العجوز في ظل إحدى أسوأ التجارب الإنسانية التي جعلت من حكاية نوري نافذة للعالم، وإن لم تكن كل الجوانب مترابطة لمثل هذا النوع من الأفلام.
أما عنوان الفيلم "باباي" الذي يعني الأب، فيقدم الأبوة اللامسؤولة للعديد من المهاجرين الذين يتركون عوائلهم تواجه خطر الموت، بحثا عن حياة أخرى في عالم مجهول، هربا من واقع ورعاية تفتقر لمشاعر طفولة أبنائهم وما يترتب عليها.