د. محمود نديم نحاس
ربما لا تستطيع أن تحبس دموعك عندما ترى صورة طفل مصري يحمل لافتة كُتب عليها (إلى مديري مدارس سوريا: لا تكتبوا الطلاب غائبين، بل اكتبوهم أحياء عند ربهم يُرزقون).
وهكذا تختلط المشاعر والأحاسيس عند الإنسان السوي وهو يرى أطفاله يستعدون للعام الدراسي الجديد، بينما يشاهد على الشاشة مأساة أطفال سوريا، فهم بين قتيل أو جريح أو مشرد أو يتيم.
فقد كشف تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن أن عدد الأطفال الذين قتلوا على يد قوات النظام بلغ 10913 طفلا، بينهم 2305 دون العاشرة، و 376 رضيعا، مشيرا إلى أن النسبة الأكبر منهم قُتلوا بالقصف، في حين قضى آخرون بالإعدام الميداني رميا بالرصاص أو ذبحا بالسكاكين (530 حالة) أو لقوا حتفهم وهم بين يدي جلاديهم (79 طفلا). وتحتفظ الشبكة بأسمائهم جميعاً وصورهم وتاريخ ومكان استشهادهم، وذلك منذ بداية الثورة وحتى مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق مؤخراً. كما كشف التقرير عن اعتقال أكثر من 9000 طفل (تقل أعمارهم عن 18 عاما)، والكثير منهم تعرضوا لأساليب تعذيب عنيفة جدا لا تختلف عن التي يتعرض لها الكبار، حيث ذكر التقرير ستة عشر أسلوب تعذيب، ومنها تكسير الأضلاع، وصب الزيت المغلي على الجلد، وقص الأذن بمقص تقليم الأشجار، وانتزاع اللحم بملاقط معدنية. كما تحدث التقرير عن رؤية بعض الأطفال مقتل ذويهم وأمهاتهم على يد الشبيحة. وتحدث أيضاً عن تعرض القاصرات للاغتصاب (أكثر من 400 حالة).

وقد أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة أن عدد الأطفال اللاجئين أو المشردين داخل سوريا وصل إلى ثلاثة ملايين طفل، وحذرت بأن ملايين الأطفال السوريين سيحرمون من المدارس هذا العام، وتحدثت عن زيارتها لسوريا والدول المجاورة حيث التقت كثيرا من الأطفال وأفراد أسرهم المشردين أو اللاجئين ممن تحدثوا عن فظاعة الصراع ومخاوفهم وقلقهم إزاء حرمان أطفالهم من التعليم، وشددت على ضرورة تعزيز العمل الدولي المشترك للاستجابة بالشكل الملائم لمعاناة الأطفال المتضررين من الأزمة.

أما تقرير خبير الأمم المتحدة بشأن حقوق النازحين داخل بلادهم فيقول بأن ثلث المنازل في سوريا (أي 1.2 مليون منزل) وآلاف المدارس قد دمرت، وهُجِّر أكثر من أربعة ملايين سوري وحرم نحو مليوني طفل من الدراسة. وأوضح التقرير أن معظم المشردين هم من النساء والأطفال وكبار السن الذين فروا من منازلهم دون أي أمتعة شخصية ويقيمون مع عائلات أخرى تعيش هي نفسها على موارد محدودة للغاية.

ويؤكد تقرير صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أن أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة تعرضت إما لأضرار جسيمة أو دُمِّرت، كما تُستخدم نحو ألف مدرسة أخرى لإيواء النازحين، مما أدى إلى أن مليوني طفل توقفوا عن الدراسة، وأربعة ملايين طفل في المجمل تضرروا، منهم مليون طفل أصبحوا لاجئين. هذا إضافة إلى إن الأطفال يعانون من أضرار نفسية.

وقد كتب أحدهم قصيدة تصف جزءاً من مأساة الأطفال:

قال والتنهيدةُ الحرّى تَلي التنهيدةْ:

ابنتي أمستْ شهيدةْ..

ابنتي لم تحمل الرشاشَ يوماً

ابنتي لم تعرفِ الأحزابَ يوماً

ابنتي كانت ودودةْ

فلماذا قتلوا بنتي الوحيدةْ؟!

أما كاتب متخصص بالقصص القصيرة جداً فكتب: بعد العودة من الإجازة، بادر الصبي لقاءه مع والده بقوله: أنا أصبحت مصاص دماء. لم يأخذ الوالد ما قاله على محمل الجد، لكنه ابتسم وسأله: وكيف ذلك؟ رد الصبي بجدية: من مشاهدة قتل الأطفال، فلا أريد أن أكون ضحية بريئة!

ربما لابد من ذكر ما قامت به بعض منظمات المجتمع المدني من أعمال، فالهيئة السورية للتربية والتعليم قامت بتنقيح الكتب الدراسية وحذف كل ما له صلة بآل الأسد أو بحزب البعث ومسح لوثات النظام التي أبعدت المناهج عن أهدافها التربوية. كما قامت بطباعة الكتب وتوزيعها على المدارس في بعض المخيمات وبعض مدارس المشردين في الداخل السوري. لكن أنى لهذه الجهود أن تستوعب كل الأطفال؟ فالأمر أكبر مما يُتصور، ويحتاج لميزانية ضخمة.

JoomShaper