مريم عبدالله النعيمي

هل آذتك تلك الصورة البرئية لدرجة لم يتحملها عقلك الناعم؟ هل جرحت مشاعرك المرهفة؟ هل آذت إحساسك الرقيق؟ هل عكرت عليك مزاجك الصباحي وأنت تحتسي فنجان القهوة الفرنسية وتهم بقضمة من الكعك البريطاني الفاخر؟!

هل تأثرت عيناك اللتان استيقظتا توا من تحت غطاء ألماني وثير؟ هل جرحت خواطرك الناعمة تلك الصورة التي آلمتك للحظات قصيرة من عمر زمنك الجميل؟!!

كيف وجدت نفسك وأنت تصدم بصورة أرسلها لك أحد محبيك على جهازك الجديد؟

فتحت الصورة لم تكن تعلم أنها تحاكي ببراءتها طهر الملائكة، لا لم تكن تعلم ذلك على الإطلاق، أنت الذي عودت نفسك دائما على التخلص من الشعور بأي مسؤوليات حقيقية تجاه أوجاع أمتك!!

أنت الذي اعتدت دائما أن ترمي بكل أحزان وأوعاج الأمة على الحكام ليرتاح بالك الرقيق، ولتصفو نفسك دائما، فأنت شخص ولدت لتعيش مدللا، ولأنك لست بحاكم ولا وزير إذن كل مصائب الدنيا خارج نطاق بيتك لا تعنيك وعلى رأسها طبعا مصائب المسلمين.

كيف وجدت صورة الطفل السوري الذي لم يتجاوز عمره الشهور المعدودة في الدنيا وقد تحول لقطعة لحم مجلدة تشبه إلى حد كبير ذلك اللحم المثلج الذي اعتدت رؤيته في المحلات التجارية؟!

هذه المرة طبعا هو لحم آدمي غض جاء للدنيا في زمن انكفاء العرب وخزيهم المدوي!!

ماذا فعلت بالله عليك يوم رأيت ملامح الطفل المتجلد كالدجاجة الجاهزة للتذويب ثم للشي والالتهام؟!

ماذا قلت لنفسك هذه المرة والمدفأة الفرنسية إلى جانبك في غرفة مكتبك الوثير تنشر دفئها في المكان وتضيف لقهوتك الفرنسية الكثير من الشعور المنعش والمزاج المرتاح؟!

هل شعرت بأن الكوب يريد أن يسقط من يدك أم أن الرشفة التي احتسيتها تجمدت هي الأخرى في فمك؟!

هل حرقتك للحظات قصيرة حرارة القهوة التي تجمدت في الفم من هول الصورة القاسية الصادمة الفاضحة؟!

ماذا قلت لنفسك هذه المرة أيضا؟من الذي نال لعنتك هذه المرة وصببت عليه جام غضبك من جديد؟!

بالطبع بالطبع إنها خيانة الحكومات العربية، وحدهم الحكام العرب من خذلوا السوريين أما أنت أيها الناعم الرقيق الذي يملك الملايين من الدولارات في أرصدته فإنما أنت مسكين لا تتحمل أدنى مسؤولية دينية أواخلاقية تجاه هذا الطفل المتثلج.

لا، أنت غير مسؤول على الإطلاق، وماذا تفعل ملايينك بل ما دخل ملايينك أمام كارثة سياسية عربية؟!

ألم تعتد دائما أن تكرر في مجالسك في استراحاتك الفندقية واستراحاتك في البر والبحر وعلى يختك الفاخر أن كل أزماتنا من السياسة إذن أخبرني لم شرقت برشفة قهوة، لم حرقت لسانك، لم وبدون أدنى تركيز هويت بيدك مغضبا على طبق الكعك البريطاني الذي وضع بجانب فنجان القهوة أمامك على المكتب فرميته على الأرض؟!

نعم، تلك الأرض المغطاة بالرخام الفاخر، لا شك أنك تذكر جيدا أنك أنت من اختار لونه وشكله، وزخرفته، نعم أنت تتذكر ذلك جيدا، فذوقك الخاص الذي شهد به أصدقاؤك ومعارفك هو أفضل من ذوق أي مصمم للديكور في العالم.

نعم هذا الرخام الأنيق ها هو ذا تتناثر حبات الكعك فوقه، وها هي الشيكولا التي كست العكك الصغير تسيل على الرخام باهظ الثمن فتغير لونه وتسيئ للمكان!!

هيا يا رجل، هذه هي لحظتك الصادقة، هنا وهنا فقط يأتي دورك الكبير، اصرخ بأعلى صوتك ولا تعتمد على صوت جرس مكتبك الناعم، فالأمر جلل، ويستدعي تدخلك السريع!!

هيا ناد العامل عدنان واطلب منه الجري بأقصى سرعة لإحضار المواد المنظفة المخصصة لتلميع الرخام.

نعم يا رجل، انشغل بالاهتمامات التي تناسبك، بعد قليل سيزورك أحد أهم رجال الأعمال ليناقشك في صفقة جديدة..

أصلح هندامك واطلب كوب قهوة جديدة، وكعكا آخر تناوله مسرعا هذه المرة، ودون أن تفتح جهازك الجوال فالدقائق كما تعلم، وأنت الرجل الملهم صاحب الصفقات الناجحة مهم، ومهم جدا.

JoomShaper