بيروت - من أورينت برس
في الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب الأهلية في سوريا، تتسارع جهود المنظمات الدولية والإنسانية في سباق مع الزمن لإيصال مشروع تعليمي مبتكر إلى ضحايا الصراع الأكثر تضرراً. مئات الآلاف من الأطفال اللاجئين السوريين حرموا من فرصة التعليم اثر تهجرهم من بيوتهم ومنازلهم، ووجودهم اليوم في ظروف تعيسة للغاية.
ثلاثة ملايين طفل سوري أُخرِجوا من ديارهم، وهو رقم صادم. وأكثر من مليون طفل من بينهم فروا من سوريا ويرزحون الآن في مخيمات في دول مجاورة، أبرزها لبنان والأردن وتركيا. ويكابد هؤلاء الأطفال الآن شتاءً ثالثاً بعيداً عن ديارهم ومدارسهم وأصدقائهم. بل إن كثيرين منهم فُصلوا عن أسرهم، مع انضمام المزيد من الآلاف كل يوم إلى عداد المشردين، في مأساة أضحت تمثل أكبر كارثة إنسانية في العصر الراهن. ورغم ان جمعيات كثيرة تبدي اهتمامها بتأمين القوت والدواء ومساعدة هؤلاء اللاجئين على البقاء على قيد الحياة ومواجهة الظروف القاسية، الا ان مبادرات جدية أخرى تهدف إلى توفير فرص تعليمية للاطفال اللاجئين حتى لا يضيع مستقبلهم تماماً.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
من السهل جمع التبرعات من اجل تأمين الغذاء والدواء لعدد من اللاجئين السوريين، لكن من الأمور الضرورية والواجب توفيرها على حد سواء كونها لا تقل أهمية: تأمين التعليم المناسب للأطفال اللاجئين السوريين حتى لا ينشأ جيل كامل أمي ومتضرر من الأزمة السورية التي طال امدها.
مبادرات تعليمية
هناك العديد من المبادرات التي تندرج في هذا الإطار. على سبيل المثال، هناك مبادرة رائدة في لبنان تضم معلمين ووكالات معونة ومنظمات تعليمية خيرية فتحت نافذة صغيرة للأمل. فوسط فوضى المخيمات والأكواخ المؤقتة والفقر المدقع، بدأ الكفاح من أجل مبدأ مهم جديد للمعونة الدولية: حتى في أوقات الصراع يجب أن يحصل الأطفال على التعليم.
قبل قرن ونصف القرن، أرسى الصليب الأحمر الدولي مبدأ أن الرعاية الصحية يمكن بل ينبغي توفيرها حتى في مناطق الصراع. وهذا المبدأ توارثته جماعات أخرى مثل أطباء بلا حدود، التي خاطر أطباؤها بأرواحهم على مدار العقود الأربعة الماضية لتوصيل الرعاية الطبية إلى أكثر مناطق العالم خطورة. ولكن إلى جانب الطبابة والغذاء هناك مسألة التعليم الفائقة الاهمية لما لها من انعكاسات مباشرة على مستقبل جيل بأكمله.
تجربة لبنان
بحكم كونه من الدول الأقرب جغرافيا إلى سوريا، وبحكم ترابط الحدود والثقافة، كان للبنان النصيب الأكبر من اللاجئين السوريين الذين تدفقوا عبر حدوده إلى حد فاق كل قدراته على استيعابهم. لبنان، بمساحته الضيقة، وبنيته التحتية غير المجهزة، ومؤسساته الكهربائية والمائية والتعليمية التي لا تكاد تكفي حاجة مواطنيه، بات عليه تأمين الحد الأدنى من الحاجيات بالنسبة للاجئين السوريين.
تنشط الكثير من جمعيات الإغاثة التي تحاول جمع التبرعات للاجئين السوريين ايا كانت، ملابس، أغطية، أغذية، أدوية، أماكن مؤقتة للسكن أو أي سبيل آخر للمساعدة. لكن اللافت ان البعض تنبه إلى أهمية توفير فرص التعليم.
الآن يشهد لبنان برنامجاً تجريبياً هدفه الدفع قدماً بفكرة مفادها أن توفير التعليم للأطفال اللاجئين أمر قابل للتنفيذ بنفس الدرجة ولا يقل أهمية عن الرعاية الطبية. ويتركز هدف البرنامج في إرساء حق الأطفال في التعليم كأولوية إنسانية، وذلك عبر 1500 مدرسة في هذه الدولة المضطربة المقسمة، حيث يمثل الأطفال اللاجئون السوريون هناك الآن 20 في المائة من السكان في سن الدراسة.
يقضي الطفل اللاجئ عادة أكثر من عشر سنوات بعيداً عن وطنه. وكل شهر يبتعد فيه الطفل عن المدرسة يقلل من احتمالية عودته إليها. وقبل ثلاثة أعوام، كان معظم الأطفال السوريين ملتحقين بالمدارس، وكانت سوريا تحظى بتعليم ابتدائي شبه شامل. أما اليوم فيحرم ملايين الأطفال السوريين من أي فرصة لإثبات مواهبهم وتطوير مهاراتهم التعليمية. وسوف تستمر آثار تلك المأساة عقودا من الزمان.
لذا يتشكل الآن في سوريا والمنطقة المحيطة بها جيل ضائع: الأطفال في الثامنة والتاسعة من عمرهم الذين لم تتح لهم قط فرصة الالتحاق بالمدارس، والأطفال الذين اضطروا الى العمل لينضموا إلى عمالة الأطفال، ومئات الفتيات اللاتي أُجبرن على الزواج المبكر. وهناك حكايات بشعة عن شباب اضطروا الى بيع كلاهم وأعضاء أخرى من أجل أن يعيشوا فقط.
إرساء الأمل
بالطبع لا بد من توفير الغذاء والمأوى واللقاحات، لكن في خضم صراعات كهذه، فإن الشيء الوحيد الذي يحتاج اليه الأطفال بخلاف المتطلبات الأساسية المادية هو الأمل. والتعليم هو ما يزود الأطفال بالأمل أن هناك ضوءاً ينتظرهم في نهاية النفق، الأمل في قدرتهم على التخطيط للمستقبل وإعداد أنفسهم لتولي الوظائف وحياة الراشدين.
والواقع أن المشروع التجريبي في لبنان، الذي صممه معهد التنمية في المملكة المتحدة ويقوده صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يخلق الفرصة لإرساء الحق في التعليم بصرف النظر عن الحدود. وهو مصمم ليستوعب نحو 500 ألف طفل لاجئ سوري في لبنان حاليا. وبموجب اتفاقية موقعة مع الحكومة اللبنانية، يمكن تدبير أماكن لمئات الآلاف من الأطفال في غضون أسابيع بتطبيق نظام فترتين تعليميتين في اليوم الواحد في مدرسة 1500 من مدارس لبنان.
والآن تجري بالفعل تجربة هذا النظام في قرية صغيرة تسمى أكروم في شمال لبنان، حيث يتلقى الأطفال اللبنانيون تعليمهم خلال الفترة الأولى، بينما تخصص الفترة الثانية للأطفال السوريين. ويعني استخدام نفس المدرسة لكلا المجموعتين من التلاميذ في يوم واحد إمكانية توفير التعليم بتكلفة لا تتجاوز 670 دولارا أمريكيا للطالب الواحد في السنة.
أحقية التعليم
ولتدبير مقاعد دراسية لكل الأطفال اللاجئين، يتم السعي للحصول على 195 مليون دولار أمريكي في السنة من صندوق الأمم المتحدة للطفولة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع تجهيز الخطة التي ستقوم المنظمات غير الحكومية والسلطات اللبنانية بتنفيذها على الأرض. وتستهدف تدبير التمويل بأكمله خلال شهر مارس، حيث يحيي العالم الذكرى الثالثة لهذا النزوح المأساوي من سوريا.
وقد تم حشد ائتلاف من عشر دول مانحة لقيادة المشروع، إلا أنه بحاجة إلى عشر دول مانحة أخرى لتمويل المشروع بالكامل. وتجري مناشدة المانحين ألا يكتفوا بإيجاد آلاف المقاعد الدراسية للأطفال المحتاجين، بل أيضا إلى التأسيس لسابقة من أجل العشرين مليون طفل الآخرين الذين دفعهم الصراع العنيف إلى معسكرات المشردين ومدن الأكواخ.
ولن تتسنى الفرصة لإتاحة التعليم الشامل لأطفال العالم من دون اتفاقية تنص على تلبية حاجة الأطفال في مناطق الصراع إلى التعليم. فهناك مليون طفل أفغاني يعيشون في معسكرات على الحدود مع باكستان. ولا يزال آلاف الأطفال في جنوب السودان ينتظرون فرصتهم الأولى للذهاب إلى المدرسة. كما يحتاج مليون طفل آخرين في جمهورية إفريقيا الوسطى، التي مزقتها الحروب، إلى مدارس. وتعتمد فرص هؤلاء الأطفال الآن على إظهار القدرة على إحراز تقدم في لبنان الذي يضم العدد الأكبر من اللاجئين السوريين.
إن أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، والتي تبنتها المنظمة الأممية عام 2000، ينتهي العمل بها في شهر ديسمبر 2015، ما يعني أن الوقت يجري باتجاه الموعد المقرر لتحقيق هدف التعليم الابتدائي الشامل. وسيبقى الهدف بعيد المنال ما لم يتم التأسيس للمبدأ الذي تأخر إرساؤه طويلاً، والذي ينص على أن أحقية أي طفل في التعليم لا تعرف حدودا، بل انها من الأولويات القصوى

JoomShaper