نجاح شوشة
مشاهد الجوع هي الأصعب على النفس إذا ما قورنت بما تم تداوله فيما يخص الثورة السورية، حيث يعكس مدى إجرام النظام الذي يستخدم الجوع كسلاح فتاك للقضاء على الشعب الثائر.
ولم ينج من هذا السلاح الدنيء، أطفال في عمر الزهور، لم يعبئوا يوما بدنس السياسة، ولم تلطخ فطرتهم السوية أرجاس الطائفية.
حالة هذه الأم المفجوعة، تصف وتلخص الوضع المأساوي الذي يحياه هذا الشعب المكلوم الذي يذبح ببطء على مدار أربعة أعوام.
الطفلة رهف زاهر قعدان عمرها سنة وخمسة أشهر، ماتت جوعاً في زملكا، وهي بنت تلك العائلة الدمشقية التي فرت من جحيم القصف على قلب العاصمة وتحديدا في حي جوبر.
قضت الطفلة نحبها وهي تطالب بأبسط حقوق بني آدم، من طعام وشراب، ونتيجة لعدم تناولها الطعام لمدة يومين متتالين وانعدام الدواء، فقدت حياتها وسط صراخ أمها التي فقدت من قبل أقاربها بمجزرة الكيماوي، فوالدها مغيب في سجون الأسد منذ سنة ونصف تقريبا.نجت الأم مع طفليها من مذبحة الصاروخ الكيمياوي الذي قتل جميع عائلتها، فلم يبقَ لهم رجل معيل، يدفع عنهم الفقر والعوز.
وغادرت الأم وطفلاها حي جوبر هربا من الدمار اليومي إلى غوطة دمشق الشرقية، لكنها كانت على موعد مع عدو آخر لا يقل قسوة عن النظام الطائفي المجرم، إنه الجوع والحصار.
باعت الأم كل ما لديها في المنزل ليبقوا على قيد، لكن الطفلة التي نجت من الكيماوي لم تقاوم الحصار والجوع ونقص المياه والطعام، ليصبح الجوع في غوطة دمشق الشرقية له مفعول أقوى من السلاح الكيماوي.
الجوع سلاح أسدي فتاك
بعد خروج مناطق عديدة من المحافظات والمدن السورية عن قبضة الأسد، ونظرا لعجز النظام عن استعادة معظمها بالرغم من مواصلة القصف العنيف والعشوائي، فقد لجأ إلى استخدام سلاح التجويع ضد آلاف العائلات المحاصرة في طول البلاد وعرضها، وعلى سبيل المثال لا الحصر في مناطق درعا ومخيم اليرموك وحمص القديمة ومنطقة الحولة بريف حماة.
كيلو الأرز يصل لعشرة دولارات
وتسبب الحصار في رفع أسعار الغذاء في المناطق المحاصرة إلى مستويات قياسية، حيث يصل سعر كيلو الأرز في بعض المناطق إلى عشرة دولارات أمريكية، كما يزيد الحصار من صعوبات علاج المرضى والجرحى، ويتسبب نقص التغذية في حالات إعاقة جسدية وذهنية لدى الأطفال.
وأكد مدير مستشفى الشفاء الجديد في حلب أن الظروف المعيشية الصعبة بالمدينة أدت إلى ظهور حالات أمراض لدى الأطفال ناتجة عن نقص التغذية، مثل مرض نقص "الوارد البروتيني الحروري"، وهو مرض منتشر في بعض الدول الأفريقية الفقيرة.
وقال مدير المستشفى إن أعراض هذا المرض عبارة عن نحافة شديدة وغياب الكتلة الشحمية تحت الجلد، ووجود سحنة شيخوخة على الأطفال إلى جانب شراهة شديدة للأكل.
وأكد أنه بعدما كانت الإصابة بهذا المرض حالات نادرة قبل الثورة، أصبح عدد المصابين به في صفوف الأطفال الرضع (ستة أشهر إلى سنتين) في تزايد مطرد.
وأصبحت ندرة وغلاء المواد الغذائية الأساسية ومواد الطاقة أبرز عناوين الوضع الإنساني المتأزم في مدينة حلب وباقي المدن السورية، فقد اضطر سكان المدينة لتقليص وجباتهم اليومية كماًّ وكيفاً، ولأن الأزمة طال أمدها كان لا بد من أن تكون لنقص التغذية تداعيات وآثار سلبية على الصحة العامة، يضاف إليها تراكم النفايات في الشوارع في منظر يتكرر في العديد منها.
وعند ورود المصاب بهذا المرض يقوم الكادر الطبي في المستشفى بتغذيته تغذية كاملة عن طريق الحقن في الوريد ويعود إلى منزله، وهنا تبدأ مشاكل أخرى حيث إن أغذية الأطفال الرضع المعتادة -والمتمثلة أساسا في الحليب الصناعي- شبه مفقودة، في ظل عدم كفاية حليب الأم، وهو ما يدفع الأسر لتغذيتهم بحليب الأبقار الذي لا تنصح به منظمة الصحة العالمية للأطفال دون العام الأول.
من جانبها أكدت مديرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إثرين كيزن أن أعداد السوريين الذين يواجهون شبح الجوع ارتفع إلى 1.8 مليون شخص، موضحة أن أعداد السوريين الذين يحتاجون مساعدات غذائية تضاعف خمس مرات في الأشهر القليلة الماضية.
وأشارت كيزن إلى أن برنامج الغذاء العالمي لا يستطيع مساعدة سوى نصف هذا العدد، في حين أن العمليات العسكرية لم تمكنه من إيصال الطعام إلى المحتاجين.
وأكدت المسؤولة الدولية أن البرنامج بحاجة إلى ستين مليون دولار لمواجهة الزيادة المطردة في أعداد الجوعى من السوريين، مطالبة المجتمع الدولي بتقديم المزيد من التبرعات.
أطفال أشبه بهياكل عظمية
وشهدت مدينة معضمية الشام واقعة تعد الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية بعد استشهاد طفلين سوريين موتاً من الجوع وبسبب سوء التغذية، ذلك الواقع المؤلم الذي فرضه الحصار الجائر من نظام الأسد.
وقد التقطت عدسات النشطاء صورًأ لأطفال أشبه بهياكل عظمية، ولا تقل بشاعة عن صور أطفال الصومال أو في بلدان المجاعات، بل هي صور لأطفال يعيشون قرب العاصمة دمشق، يعيشون في معضمية الشام التي تبعد حوالي 10 كيلو متر عن ساحة الأمويين في قلب دمشق.