مراد السوري: كلنا شركاء
في خضم الحديث اليومي عن المعارك داخل سوريا، واهتمام الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، بمن هو صاحب السيطرة الأوسع على الأراضي في هذا البلد، النظام أم المعارضة، ووسط بحث الدول عن مصالحها على حساب الشعب السوري، لا تزال قضية اللاجئين السوريين تمثل معضلة لازمت القضية السورية منذ بدء الثورة السورية حتى يومنا هذا.
ولم يكن مستغرباً أن يصف الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي قبل ثلاثة أشهر، ما يجري في سوريا بأنه “أكبر مأساة في القرن الواحد والعشرين”، إضافة إلى اعتبار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن المأساة السورية “أفظع مأساة إنسانية في العصور الحديثة”.
وانطلاقاً من هذا وفي الوقت الذي تستعد فيه المنظمات الإنسانية والدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، لتسليط الضوء من جديد على معاناة اللاجئين في العالم، خلال مناسبة “يوم اللجوء العالمي”، الذي يصادف يوم 20 يونيو/ حزيران الجاري، فلا يبدو أن هناك أزمة للاجئين في العالم حالياً تفوق أزمة لاجئي سوريا الذي يصح أن يكون وصف “مأساة القرن” متصلاً بهم.ويدعم ذلك ما نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي، أن سوريا تصدرت دول العالم من حيث النزوح القسري، مضيفةً أن ما يزيد عن 9 ملايين شخص تعرضوا للنزوح من منازلهم، وأن أكثر من مليونين ونصف المليون لاجئ سوري مسجلين أو في انتظار تسجليهم في الأمم المتحدة كلاجئين في الدول المجاورة، في حين يصل أعداد النازحين داخل الأراضي السورية لأكثر من 6.5 مليون شخص، ما يعني أن حوالي 40 في المئة من سكان سوريا أصبحوا خارج منازلهم، مع ضرورة الإشارة إلى أن ما لا يقل عن نصف هذا العدد هم من الأطفال.
القهر والجوع والفقر والتشرد والمعاناة، عناوين صغيرة لقصة الشعب السوري، الذي ذاق الويلات على يد نظام بشار الأسد، حيث لم يترك عرفاً دولياً أو قانوناً له صلة بحقوق الإنسان إلا واخترقه، فقصف المدن وهجر البشر ودمر الحجر، وخلق أزمة في المنطقة لم تشهدها منذ عقود، ولا يزال حتى يومنا هذا يمعن في سياسته الممنهجة بتدمير المدن السورية وتهجير سكانها.
وإذا كان العالم بحاجة إلى أدلة أخرى تعكس مأساة اللاجئين السوريين، فإن في قصة اللاجئة السورية مريم خولة ما هو كفيل بوضع العالم بشكل جلي أمام تلك المأساة، فلم تجد مريم بعدما ضاقت عليها الأرض بما رحبت وعانت طويلاً من لجوء كاد أن يقضي عليها وعلى أطفالها، إلا أن تحرق نفسها أمام مقر الأمم المتحدة مدينة طرابلس بلبنان في مارس/آذار الفائت احتجاجاً على نقص المساعدات، وفي قصة مريم رسائل من شأنها أن تستثير نخوة العالم لوضع حد للمأساة الإنسانية التي يعاني منها لاجئو سوريا.
وإذا كان ثمة متضرر أكبر من أزمة اللاجئين السوريين، فلا شك أنهم الأطفال، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر، محذرةً من جيل ضائع في سوريا، قتلت الحرب أحلامهم وقضت مخيمات اللجوء وظروفه الصعبة على آمالهم.
وينضم إلى صوت المنظمة الأممية أصوات من منظمات إنسانية ودولية، وكان أخرها منظمة “كير” العالمية، التي رصدت معاناة أطفال سوريا اللاجئين لا سيما في الأردن، ومن يطلع على الدراسة التي أظهرتها المنظمة مطلع الشهر الجاري، يدرك تفاقم معاناة الأطفال اللاجئين عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
ويواجه أطفال سوريا اللاجئين صعوبات حياتية، اضطرت الكثير منهم إلى الانخراط في أسواق العمل رغم صغر سنهم، مجبرين على تحمل ظروف العمل البائسة والاستغلالية إلى حد كبير.
وبحسب إحصاءات منظمة “كير” فإن الحكومة الأردنية تقدر ارتفاع نسبة عمالة الأطفال السوريين في الأردن، ليصل عددهم إلى 60 ألف طفلٍ يعملون في السوق الأردنية منذ بدء الثورة السورية، أما في لبنان فإن 50 ألف طفل سوري على الأقل منخرطون في سوق العمل.
ولا بد من القول أن وصمة عار جديدة تضاف على جبين العالم، أمام المعلومات التي تتحدث عن عمل الأطفال للاجئين مدة 12 ساعة متواصلة يومياً، تاركين مدارسهن ومحرومين من حقهم الأساسي في التعليم.
وفي هذا الصدد، تشير الإحصاءات أن 30 في المئة فقط من الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان يذهبون إلى المدرسة، ما يعكس العدد الكبير للأطفال الذين قرروا إعالة عائلاتهم على حساب تعليمهم.
ومع طول فترة اللجوء لا يزال الكثير من أطفال سوريا اللاجئين يعانون من أثار نفسية خلفتها الحرب الدائرة في بلادهم، وهو ما قد يشكل بحسب تحقيق أجرته صحيفة “الإندبندت” البريطانية العام الماضي، مشكلة سترافق الأطفال طيلة حياتهم، خصوصاً وأن بعض الأطفال أصيب بشظايا القصف خلال تواجدهم في سوريا، ما أدى إلى بتر أحد أعضائهم وحدوث إعاقة دائمة، تجعل من اندماجهم في المجتمع أمراً صعباً.
كما سبق وأن أشارت المفوضة السامية لشؤون اللاجئين، أن الآثار النفسية للحرب على أطفال سوريا، جعلت الكثيرين منهم يعيشون في عزلة شبه تامة، ويشعرون بالإقصاء وعدم الأمن على الرغم من عيشهم خارج سوريا.
ولا تقتصر معاناة الأطفال السوريين على هذين الجانبين فقط، ولا يتسع المكان لذكر آلاف الحوادث المؤلمة التي تحدث بشكل يومي للأطفال، لكن أكثر ما يلفت النظر هو ما تحدثت عنه الأمم المتحدة، عن وجود آلاف الأطفال السوريين اللاجئين يعيشون دون أبويهم، إما لاستشهادهم داخل سوريا، أو لاعتقالهم في أقبية سجون الأسد، أو لوصول الأطفال بمفردهم إلى مخيمات اللجوء بصحبة معارف لذويهم.
وربما أبلغ تشبيه ينطبق على حال الطفولة في سوريا، شعار تلك الحملة التي أطلقتها إحدى جهات المعارضة السورية تحت شعار “الطفولة المغيبة”، تلك الطفولة التي تُغيب مع سبق الإصرار والتصميم، سواء من قبل نظام الأسد وحلفائه، أو من قبل المجتمع الدولي نفسه، الذي ما زال يغض الطرف عما يجري للشعب السوري، مكتفياً ببيانات الإدانة والاستنكار التي ملّ منها السوريون.
ويشكل التأقلم مع صعوبات المعيشة تحدياً كبيراً يواجهه اللاجئون السوريون في سبل العيش وظروف السكن، والخدمات الصحية والتعليمية والمعونات الغذائية، وأخيرا الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي.
وفي حال استمرت القضية السورية على ما هي عليه، وسط تصاعد معدلات العنف والقتل والتهجير والتعذيب وصمت العالم، فعلينا ألا نستغرب إذا وجدنا أن من يعيش في سوريا هم مؤيدو الأسد فقط، لكون الأخير يعتبر كل من لم يمشي في سربه عدواً خائنا يستحق القتل والتعذيب والتهجير.