زياد عطالله – ريف دمشق|| "قوم بابا قوم، قول يا رب قول يا رب"، بهذه الصيحات حاول أب إيقاظ طفله من سباته الطويل، لكن لا حياة لمن تنادي، نام الطفل الصغير ولم يستيقظ، ومثله الكثير من الأطفال والنساء والرجال في غوطة دمشق.
صباح الأربعاء الحادي والعشرين من شهر آب، استهدف هجوماً كيميائياً زملكا، عين ترما، كفربطنا، جوبر والمعضمية، وأودى بحياة 1450 من سكانها أمواتاً بلا دماء.
كان الماء والبصل العلاج الوحيد بين أيدي المسعفين في النقاط الطبية، وأمام آلاف المصابين، وقع الأطباء في حيرة من أمرهم، ولم يعرفوا لمن سيعطون الكميات القليلة من حقن الأتروبين والسيروبات، المضادة للكيماوي.ذهب الإعلامي محمد كمال ابن مدينة حمورية، ليغطي كعادته القصف على زملكا، لكنه تفاجأ بحالة غير اعتيادية، في الساعة الثانية وخمسة وعشرين دقيقة. رمى الكاميرا جانباً لينقذ مايمكن انقاذه، في مجزرة تعتبر من بين الأكبر في الألفية الجديدة.رأى كمال بطريقه الكثير من حوادث السير، التي نتجت عن إصابة سائقيها بالسموم، بعضهم بدى عليه الاختلاج ومنهم لقي حتفه، ولم يكن بوسع الشاب ومن معه، فعل أي شيء أكثر من تصوير الجثث، ليتعرف عليها ذويها بعد الدفن.لكن المفاجأة كانت بأن الكثيرين من ذوي المتوفين، لم يتعرفوا على الجثث كما يروي محمد، لشدة التغيرات التي طرأت عليها نتيجة الإصابة بالغازات السامة. ويضيف الشاب:" وثقت حالات وفاة عادت للحياة بعد ساعات من تأكيد الأطباء لموتها، ولم تستثني الإصابة الكوادر الطبية والمسعفين، ففارق الكثير منهم الحياة".سحب أدوات الجريمة
على بعد خمسة كيلو مترات من مكان الهجوم، كانت اللجنة الأممية التي قدمت للبلاد، تنتظر قراراً من النظام يسمح لها بالدخول للتحقيق في ملابسات المجزرة، قبل أن تذهب آثارها.
يقول أبو عمر من المكتب الإغاثي في زملكا، إن اللجنة رفضت فحص عينات أخذتها الكوادر الطبية لمصابين، وفضلت أخذ عينات بواسطة أعضائها، رغم أن النتيجة كانت واحدة.
ويشير أبو عمر إلى أن نتائج اللجنة لم تحدد هوية الفاعل، لأن واشنطن والمجتمع الدولي، تعاملا معها على أساس الحصول على أداة الجريمة، وترك القاتل طليقاً، حسب وصفه. العجز عن مقاومة آثار الكيماوي حتى اللحظة
لم يكن سهلاً الوصول إلى دراسات وإحصائية دقيقة لأعداد وأسماء القتلى، فالكثيرين منهم غادروا الحياة دون توثيق لوفاتهم، كما يقول عبد الله الحافي مسؤول الدراسات بالمكتب الإغاثي للغوطة الشرقية.
ويضيف الرجل أن الإمكانيات الموجودة في الغوطة، لم تمكنهم من توثيق مخلفات الهجوم الكيميائي على التربة والطبيعة والبشر، فتلك تحتاج إلى كفاءات دولية، كما حدث في مجزرة حلبجة بالعراق. تحسباً لهجمات أخرى
لم تنتهِ مهام الكوادر الطبية مع تلك المجزرة، فكان عليهم العمل للاستعداد لما هو أسوء، وهجمات أخرى قد تحدث مستقبلاً.يتحدث الدكتور بدر مدير الغرفة الطبية لريف دمشق، عن حملات وقائية واستباقية قامت بها الكوادر الطبية، كحملة "الغوطتان شريان حياة"، لتزويد النقاط الطبية بـالمخازن الاستراتيجية، والأدوات المقاومة للكيماوي.يؤكد بدر أن الكوادر الطبية عقدت بعد المجزرة، العديد من المؤتمرات والحملات التي تركزعلى الوقاية من الهجمات الكيماوية، وتوجهت بها إلى سكان الغوطتين، مضيفاً "بعد عام من المجزرة، قيل إن سفينة أمريكية حيدت نحو 600 ألف طن من المواد الكيماوية، سلمها النظام للمجتمع الدولي، درءً لتهديدات بضربة عسكرية".