لؤ ي طه
«إيلان» لم يكن الطفل الوحيد الذي غرق في رحلة الهرب من الموت والجوع، و»مضايا» ليست المدينة الوحيدة المحاصرة، والتي يحتضر سكانها من شدة الجوع. لكن ما تصل إليه الكاميرا ووسائل الإعلام هو من يُسلط عليه الضوء، وتبدأ موجة الغضب الإنساني ويتم تغيير صور الشخصية على جميع مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتكون هي الحدث. وتغيّب إعلاميا باقي المدن المحاصرة منذ سنوات. « دير الزور» هي مدينة سورية في شرق الوطن. منذ أكثر من عامٍ والجوع يحاصرها والتجار يتلذذون بشكل سادي بتجويعها. ومضايا
واحدة من تلك الضحايا. إن سوريا من بابها لمحرابها تختضر، وتعيش بسكرات الجوع والقهر. حتى المدن التي تبدو على أنها في منأى من القتل والجوع هي تعاني من غلاء الأسعار واحتكار التجار للمواد الغذائية دفع الكثير من السوريين إلى تغيير مبادئهم ومعتقداتهم بسبب خوفهم على أولادهم، ولم يكن هذا التغيير طواعية ولا باختيارهم. الحرب لم تترك أحداً من شرورها. الحرب أفسدت كل شيء فينا، وشوهت الجمال الذي كان يسكننا. أتساءل: عن الدول التي تعطف على الحيوان وتفعل المستحيل لتنقذ كلباً علقت أقدامه في إحدى الاسلاك المعدنية؟ عن الدول التي تعتنق الحرية وتشتهر بعشقها ودفاعها عن حقوق الإنسان.
أتساءل: إن كانت هيئة حماية حقوق الإنسان لا تملك السلطة ولا القدرة على إدخال الإعانات والإغاثات، إذاً لماذا تأتي؟ طالما أنها لا تملك القدرة على حماية حقوقها في أداء مهمتها. إذن، هناك مشكلة كبيرة وهناك تغاضي مقصود حول الإنسان السوري ومن الواضح بأن هذا المخلوق ليس له أي قيمة إنسانية لدى الدول التي تدعي الحرية والإنسانية. ألا يستحق الإنسان السوري أن يقدموا له عاطفة إنسانية كما يفعلون مع كلابهم وقططهم؟ بئس للعمر الذي صارت فيه أعظم أحلامنا هو أن يتساوى الإنسان بحقوقه مع الحيوان.
وهم يشاهدون هذه المخلوقات البشرية بهذا الشكل المؤلم، إلا تتحرك مشاعرهم؟ ألا تستحي المعارضة والنظام أو الجماعات الجهادية، ولا الدول العربية ولا الدول الأوروبية من هذه المشاهد اللانسانية؟ ويجدوا أي مخرج لإنهاء تلك الكوارث الإنسانية؟!!!
موجع وأكثر أن يصبح الشعب السوري بهذه الملامح البائسة ويصبح عرضة للشفقة والعطف، والله هو لا يستأهل إلا أن يكون منعماً ووسيماً لأن الإنسان السوري لو أخذ نصيبه من الحياة حول الكون إلى لوحة من إبداع. لا يليق بهذا الشعب أن يكون مقهوراً ولا يليق بكيريائه كل ما حدث ويحدث له.
جعلتمونا نكره الوطن والحرية والديمقراطية، بعد أن أصبحنا نشاهد هذه المقاطع وتلك الحالات الكارثية. ماذا تريدون أن تفعلوا بالشعب أكثر؟ هل هناك أكثر من هكذا ألم؟ وهكذا ذل؟!
لتعلن السماء النفط والغاز والقمح والقطن الذي من أجله تتقاتلون، وتقتلون الإنسان. بئس قلوب لا نبض فيها وعقول لا تفكر إلا بالمجد والسلطة وتنسى آلام الإنسان وتدوس فوق كل الاعتبارات ليخلدهم التاريخ.
ألم تتعبوا من المناورات، ألم تسأموا من المفاوضات؟ ألم تشعروا وأنتم تضعون رؤوسكم على وسائدكم من ريش النعام والأغطية الناعمة ما يحدث لأولئك الأطفال؟ أليسوا هم من ابناء جلدتكم، ألا تهتز من اجلهم عواطفكم السامية وأنتم تنظرون في وجوههم الصفراء الخالية من دم الحياة، ألم تهتز عروش قلوبكم وأنتم تستمعون لصوت طفل مبحوح بالكاد يقدر على النطق: لم أذق الطعام منذ مدة طويلة؟!
ألم ترتعد أوصال ضمائركم وأنتم تتابعون الأخبار عن الذين تعرت أجسادهم ليست من الثياب وحسب بل حتى من لحمها ولم يبق ما يسترها سوى كومة عظام؟!
متى تدب فيكم العواطف وترجع إليكم الإنسانية التي غادرتكم لتتصالحوا إكراماً للإنسان والطفولة وبراءتها التي تشردت, إكراماً للجمال والسلام، إكراماً لمصير أحفادكم بعد أن تغادروا الأرض وتفارقكم الحياة. إكراماً لما تبقى في قلوبكم من رحمة. متى نجدكم متصالحين تتشاركون في الوطن. إن كنتم تعشقون الوطن إلى هذا الحد والهوس، لم تحرقونه وتشردون شعوبكم؟
شعب يحتضر من الجوع لم تكفيه عبارات الشجب والتنديد، هو يحتاج لضمائركم أكثر من أي شيء آخر أنقذوا ما تبقى من الإنسان .......!!!
شعب يموت جوعاً لا تكفيه الشكوى والأسف.....!!!