نشر في : الأحد 29 مايو 2016 - 12:36 ص | آخر تحديث : الأحد 29 مايو 2016 - 12:36
أحمد سامى – التقرير
ظهر في السنوات الأربعة الأخيرة نوع جديد من أنواع التجارة التي فرضتها الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، وباتت ملاذًا لآلاف السوريين في مخيمات دول الجوار في ظل سوء الأوضاع المعيشية لهم، إنها تجارة الأعضاء البشرية، وذلك بحسب تحقيق استقصائي لصحيفة “ديلي نيوز”.
ونقلت الصحيفة في تحقيقها الذي أجرته بالتعاون مع موقع “انترناشونال ميديا سبوبورت” عن رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق ورئيس الهيئة العامة للطب الشرعي حسين نوفل، قوله إن تجارة الأعضاء البشرية طالت حوالي 18 ألف سوري في السنوات الأربع الاخيرة، مضيفًا أن “غالبية هذه العمليات أجريت في مخيمات اللجوء في
لبنان وتركيا وغيرها من البلدان المجاورة”.
وكشف التحقيق أن حوالي 20 ألف عملية نزع أعضاء أجريت منذ بداية الحرب في سورية، خصوصًا في مناطق حدودية بعيدة من الرقابة الرسمية، وأشار التحقيق إلى أن سعر الأعضاء يختلف من بلد إلى آخر، ففي حين يبلغ سعر الكلية الواحدة 10 آلاف دولار أميركي في تركيا، فإن سعر الكلية في العراق لا يتعدى ألف دولار أميركي، أما في لبنان وسورية فيتم شراء الكلية بثلاثة آلاف دولار.
وتجارة الأعضاء لا تقتصر على الكلى بل تشمل الطحال والقرنيات التي بلغ سعر القرنية الواحدة في بعض المرات 7500 دولار، ويجري استمالة السوريين الذين يرزحون تحت القصف أو في مخيمات اللجوء عبر إعلانات تحت غطاء “التبرع بالأعضاء”، إذ أن معظم القوانين وخصوصًا داخل الأراضي السورية تشرّع هذا النوع من التبرع، وبالتالي لا يمكن ملاحقتهم قانونيًا، بحسب التحقيق.
اختفاء جثث قتلى موالين للنظام
شهدت مدينتا جبلة وطرطوس، الاثنين الماضي، سبعة تفجيرات تبناها تنظيم الدولة، حيث انفجرت سيارة مفخخة تبعها تفجير انتحاريين نفسيهما في محطة للحافلات في طرطوس، ما أدى لمقتل 49 شخصًا، فيما انفجرت سيارة مفخخة في محطة للحافلات في جبلة، وأخرى أمام مكتب لشركة الكهرباء، وثالثة أمام مشفى الأسعد، فيما فجر انتحاري نفسه داخل قسم الطوارئ في المشفى الوطني في جبلة بعد نقل جرحى إلى هناك، وقد قتل في جبلة نحو 100شخص.
نقلت صفحة “دمشق الآن”، إحدى أبرز الصفحات الموالية للنظام السوري على “فيس بوك”، وصفحات إعلامية في الساحل السوري، شهادات وتأكيدات بإختفاء عدد من جثث قتلى تفجيرات طرطوس وجبلة التي وقعت الاثنين الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 140 قتيلاً وعشرات الجرحى.
ونقلت صفحة “دمشق الآن” شهادة والد أحد قتلى التفجيرات، الذي يدعى علي محمد لولو، وقال فيها: “ولدي علي قُتل في التفجيرات التي ضربت مدينة جبلة، وتم نقله إلى مشفى الحكمة في المدينة، وحصلنا من المشفى على وثيقة رسمية تؤكد استقبالهم جثة علي”.
وأضاف والد علي في شهادته: “لقد تعرفت أنا وأخي ورفاق ولدي على جثمانه، وكان غير مشوه أبدًا، وكان مقتله بسبب شظية واحدة أصابته في مؤخرة رأسه في أثناء التفجير”، وقال: “بعد معاينة جثة علي، طلبنا من مشفى الحكمة أخذ جثمان ولدي من أجل دفنه، ولكننا فوجئنا بإجابتهم بأن الهلال الأحمر السوري سوف ينقل الجثامين إلى اللاذقية، وأننا سنستلم الجثمان في مدينة اللاذقية”.
وأردف والد القتيل: “توجهنا عقب ما أبلغتنا به إدارة مشفى الحكمة إلى اللاذقية لاستلام جثة ولدي علي، وهنا كانت المفاجأة الصادمة، فقد أخبرونا أن الجثمان لم يصل إليهم بعد، لنرجع إثر ذلك إلى مشفى الحكمة، فيخبرنا أحد الموظفين في المشفى بأنه هو من قام بتجهيز الجثمان وسلمه للهلال، لنعود بعدها إلى اللاذقية للبحث مرة ثانية، ولكن منذ تاريخ حصول التفجير حتى اليوم لم نعثر على جثة علي التي سبق وشاهدناها في مشفى الحكمة في مدينة جبلة”، التي تتبع إداريًا محافظة اللاذقية.
من جهتهم، أكد عدد من أقرباء القتلى، عبر التعليقات على هذه الشهادة، أن عدد الجثث المفقودة في التفجيرات السبعة، يصل إلى 34 جثة لم يتم العثور عليها أبدًا، رغم أن عددًا منها تم التعرف على أصحابها خلال الساعات الأولى التي تلت الانفجارات التي ضربت الساحل.
وتحدثت عشرات التعليقات والردود لموالين للنظام السوري عن وجود شبكة من الأطباء العاملين في مشافي الساحل، تختص في مجال بيع الأعضاء، ولكن لا يجرؤ أحد على الحديث عنهم أو حتى فضحهم؛ بسبب ارتباطهم بشخصيات كبيرة جدًا في النظام والأجهزة الأمنية، بحسب قول هؤلاء.
وتحدثت صفحات موالية أخرى في الساحل؛ بأن أهالي عدد من القتلى رصدوا عدة حالات لفتح بطن ومن ثم القيام بعملية إغلاق له، وعندما قاموا بتوجيه استفسارات إلى مشافي اللاذقية حول سبب ذلك، كان الجواب بأنها “إجراءات طبية لا أكثر”.
تورط الهلال الأحمر السوري
تفسير آخر ورد بحق الهلال الأحمر السوري، عبر اتهامه بالفساد، وأنه له سوابق في أمور كهذه، في محافظات سورية أخرى كحلب، حيث وجِّه إليه اتهامٌ صريح بأنه انتقل من حلب إلى اللاذقية “لإكمال مهمة التخريب” كما قال حساب فيسبوكي لواحد من أبناء المنطقة.
في الساعات القليلة الماضية، توجّهت صفحة فيسبوكية إلى سلطات الأسد تدعى “شبكة أخبار جبلة”، بشكوى رسمية باسم الأهالي، قالت فيها: “اختفاء جثامين في مستشفى الحكمة، نطالب السلطات بالتحقيق الفوري بالحادثة، بعض أهالي الشهداء غاضبون ولا نريد أن نصعد الموقف ضد المشافي الخاصة والهلال الأحمر”.
وتضيف الصفحة في بلاغها المعلن، إلى أن قتيلا يدعى علي لولو، قد اختفت جثته بعدما تعرف أهله عليها، وطالبت بالتحقيق الفوري، وأشارت الأخبار المتداولة على صفحات فيسبوكية من المنطقة التي ضربتها التفجيرات، إلى حدوث حالات إبدال للجثث حصلت في بعض مراسم الدفن، عندما كشف ذوو القتيل عن ما يحويه التابوت، لتكون المفاجأة بأن من فيه ليس ابناً لهم، بل هو واحد آخر، لم يتعرف عليه أحد.
فتقول صفحة “شبكة أخبار جبلة”: “خلال تشييع وائل الحجة موظف الكهرباء وقبل دفنه بلحظات تبين أن الذي في النعش ليس هو نفس الشخص”، واستمرار ظاهرة اختفاء الجثث في المنطقة التي ضربتها تفجيرات الاثنين في جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية، دفعت بكثير من روّاد الموقع الاجتماعي فيسبوك الى التأكيد بأن هناك ظاهرة تجارة بالأعضاء، كمحاولة منهم لتفسير ما جرى ولا يزال يجري عندهم.
فتقول حلا سلطان: “بتكون اشتغلت تجارة الأعضاء البشرية، لأن ما بقا حدا عندو ضمير”، ويقول جلال أحمد في ذات الصفحة الفيسبوكية لأخبار “جبلة”: “لا نستغرب فرضية سرقة الجثث واختفاء بعض المصابين؛ للاستفادة من بيع الأعضاء”.
شهادة الطبيب “أورام”
وذكر طبيب رفض الكشف عن هويته، مكتفيًا بلقب “أورام” نسبة لطبيعة عمله، أن بعض الأطباء يحاولون إقناع زملائهم بالتورط في مثل هذه العمليات عبر ترغيبهم بأنه يمكن شراء أدوية ومعدات ضرورية تنقذ حياة الكثيرين ممن هم بحاجة.
وأضاف “أورام” أن رفضه المشاركة في هذه الشبكة عرّضه لمحاولة اغتيال في المنطقة التي كان يعيش فيها، والتي ترزح تحت سيطرة “تنظيم الدولة”، ما اضطره إلى الهرب إلى منطقة أخرى، مؤكدًا أنه غالبًا ما تجد جثثًا في الشوارع تم تجريدها من أعضاء معينة.
وشهدت المحاكم السورية رفع 20 دعوى مرتبطة بالاتجار بالأعضاء في الفترة الممتدة بين مارس 2011 وسبتمبر 2015، وجرى رفع دعاوى من عائلات ضحايا قضوا بسبب هذه العمليات ضد أطباء ومستشفيات مع استبعاد أن تجري محاكمة هؤلاء في ظل الظروف الراهنة.
من جهته، قال مدير “المركز الاستشاري للدراسات وحقوق الإنسان” مشرف المعلم، إن المركز وثّق عشرات حالات الاتجار بالأعضاء داخل وخارج سورية، ملقيًا باللوم على الدول المجاورة لسورية الذي من المفترض أن تقدّم الحماية والرعاية للاجئين على أراضيها، وتؤمن لهم فرص عمل تقيهم الفقر الذي يدفع الكثير منهم إلى بيع أعضائه من أجل تأمين المأوى أو الطعام لعائلته، وتجعلهم ضحية سهلة لمافيات الإتجار بالأعضاء البشرية.