القاهرة- أربع نساء مختلفات تجمعهن لحظة واحدة، حين تتقاطع مصائرهن في مكان ومشهد واحد يختصر كل شيء، هو المشهد الأقوى في فيلم المخرج السوري محمد عبد العزيز "حرائق" الذي مزج بين المزاجين العام والخاص في تصعد درامي يكشف شيئا فشيئا ما وصلت إليه سورية اليوم وحياة نسائها بين الركام والحرب.
"حرائق" نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة المقدمة من شركتي فيلم "كلينك" وقدرها 50 ألف جنيه في مسابقة "آفاق السينما العربية"، ضمن حفل ختام الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بينما حصد فيلم "لحظات انتحارية" للمخرجة المصرية إيمان النجار، وفيلم "بركة يقابل بركة" للمخرج السعودي محمود الصباغ، على شهادات تقدير، بينما جائزة أفضل فيلم وقدرها 75 ألف جنيه مقدمة من شركة "الماسة" ذهبت للفيلم

التونسي "زيزو" من إخراج فريد بوغدير.
واحدة من تلك النسوة تعيش في منطقة ريفية "وداد" لعبت دورها الممثلة نانسي خوري ترعى الدجاج في خمه، مشهد حرقها للدجاحات في نيران متصاعدة تعبر بطريقة وبأخرى عن ألسنة اللهب التي أحرقت العديد من المدن السورية، نتيجة الحرب فيها، فيما الأم جالسة تراقب ما تفعل ابنتها التي تعيش قصة حب مع شاب فقير، وهي تسعى لتزويجها من مالك المزرعة لتعيش في رغد العيش، فيما مشهد لداعش في مشهد آخر تقوم بتنفيذ حكم الإعدام بشباب بإطلاق النار على رؤوسهم من خلف وواحد منهم تمت عملية جز عنقه بسيف.
للوهلة الأولى لا يبدو أي ترابط بين هذا وذاك، وشخصية أخرى وهي "خولة" وتؤدي دورها الممثلة رنا ريشة التي دخلت السجن هربا من أخيها ورغبتها بقلته بعد أن قتل زوجها الذي ارتبطت به رغما عنهم، وثالثة فقدت كل أبنائها وعائلتها في رمشة عين، إثر سقوط صاروخ على منزلها، فتصبح أداة للتنظيم الإرهابي "داعش" في تفجيرها، وهي أم علي وأدت دورها أماني إبراهيم، وأخرى شابة تعانق الحياة وسط الحرب؛ حيث تعمل مسعفة في فريق ينقذ الضحايا من بين الأحياء التي يدور فيها صراع في دمشق، تكتشف أنها حامل من خطيبها وبين صراع الحرب والحياة تختلف الآراء.
ومع اختلاف كل واحدة وقصتها، لكن الحرب وحدتهن، وإن بدت القصص متشابكة ومتشعبة، لكنها تعكس حالة الحصار والقلق والخوف التي تعيش بها النساء في سورية، بين المدن التي تقع تحت حرب داعش والهجوم عليها، ومصائرهن ومحدودية خياراتهن في عالم يتداعى أمام أعينهن حيث لا مهرب لهن.
التصوير في سورية، في مناطق مختلفة بين أحياء تحت الركام، من مناطق طبيعية أظهرتها تلك اللقطات الواسعة للمحيط الذي تعبر عنه الصورة بدون أي تزييف للواقع، بينما تفاصيل حكاية كل واحدة من النسوة الأربع رسمت عن قرب من معالم وجوههن بلقطات قريبة كانت تقرأ مشاعرهن، توحدت همومهن وإن اختلف مكان تواجد كل واحدة منهن طيلة الفيلم، ما عدا مشهد واحد حيث تقاطعت طريقهن في لحظة واحدة شكلت انفراج كل شيء ونهاية مفتوحة للجميع.
أنتج الفيلم المؤسسة العامة للسينما، وهو ثالث الأفلام الروائية الطويلة التي أخرجها عبد العزيز بعد فيلمي "ليلى" و"الرابعة بتوقيت الفردوس".
ربما ليس بالفيلم المثالي، لكنه جامع لتلك العناصر التي تعبر عن الحالة العامة من خلال شخصياتها وربطهم ببعضهم بعضا، ليرسم حال الحياة اليومية في سورية تحت الحصار، والضغوط والخوف وفي الوقت نفسه يثبت أن الرغبة بالحياة والحب لم تمت، بل هي أقوى بكثير وما تزال دافع الكثيرين أيضا، لأن الحياة تولد من رحم الموت؛ حيث ما تزال مستمرة وسط المعارك والنيران.

JoomShaper