إسطنبول- محمد مستو:

كثيراً ما تمنت مريم خليف (اسم مستعار) الموت، باحثة عن نهاية لمأساتها بعد اغتصابها بوحشية على أيدي عناصر النظام السوري.
دفعت مريم (33 عاما) وهي امرأة متزوجة الثمن غالياً، بلا ذنب ارتكبته سوى أنها كانت تداوى جرحى من ثاروا يوما على نظام ضاق به البشر والحجر.
مضت السيدة السورية في سجون النظام 28 يوما كانت بالنسبة لها قرنا كاملا، من التعذيب الجسدي إلى النفسي فالاغتصاب.
أبت المأساة أن تفارق مريم بعد إطلاق سراحها من أقبية التعذيب، إذ تنكر لها الأهل ونبذها المجتمع فطرقت أبواب الانتحار لمرات.
وتروي مريم قصتها المؤسفة، طالبة عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي لأسباب أمنية واجتماعية.


تم اعتقال مريم في سبتمبر/ أيلول من عام 2012 ، حيث وصلت دورية من الشبيحة في الصباح الباكر، ووضعوها في سيارة مصفحة كانت تقل 4 شابات أخريات وامرأة عجوزا.
اقتحم الشبيحة منزلها في مدينة حماة (وسط)، بلا طرق على الأبواب، وهجموا على الغرف باحثين عن مريم، ثم اقتادوها بلباس المنزل دون حتى أن يسمحوا لها بارتداء الحجاب، لتبدأ المعاناة.
تقول مريم واصفة تلك اللحظات :”تذكرت مشهد اعتقال أخي وكيف كان ينزف بعد ضرب رأسه في السيارة، صرت أفكر في أبنائي الذي تركتهم خلفي وأنا ماضية للمجهول”.
بعد نصف ساعة وصلت مريم ومن معها من المختطفات لأحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام وفوجئت هناك باستقبال كان كافيا كي تدرك هول ما هي مقدمة عليه.
تضيف: “استقبلونا هناك بعبارة “جاءت الإرهابيات” ثم دخلنا على شخص يدعى المقدم سليمان، وكان يأكل الفستق ويبصق علينا، ويتفوه بكلام بذيء بحقنا”.
لم تكتمل فصول “حفلة الاستقبال”، فسرعان ما اقتادت عناصر النظام المختطفات إلى قبو تحت الأرض بطابقين وبدأوا بتصويرهن، وأجبروهن على خلع الملابس بحجة التفتيش، وهنا أدركت مريم أن أبواب الجحيم قد تفتحت على مصراعيها.
“بدأو بتعذيبنا عن طريق الشبح، وكان يوجد نساء ورجال في غرفة التعذيب”، تواصل مريم.
تذكر السيدة السورية أن أحد الرجال المعتقلين بجانبها طلب من المحققين أن يتركوها ويعذبوه بدلا منها، هنا تعالت قهقهات الجلادين ساخرة، وانهالوا على كليهما بالضرب المبرح.
تقول مريم إنها تعرضت خلال اعتقالها إضافة للشبح إلى ضرب شديد بالقضيب المعدني، وفقدت بعض أسنانها جراء الضرب المتكرر على وجهها.
وعن الحوادث التي عايشتها في المعتقل، أفادت أنها سمعت شابا كان يتوسل إلى المحقق للتوقف عن ضربه، وبعد قليل سمعت الجلاد وهو يقول للمحقق لقد مات، فما كان من الأخير إلا أن أمر الجلاد بأن يأخذه ويرميه، وشاب آخر اشتكى الجوع فأخذوه إلى المرحاض وأجبروه على تناول القذارة.
في خضم تجربتها المهولة يأست مريم من الحياة ونسيت حتى أولادها وكان الموت مبلغ أمانيها على البقاء ليوم إضافي في المعتقل.
كان برنامج التعذيب كما تقول مريم “يوم شبح وثلاثة أيام ضرب، وفي إحدى المرات كان المحقق يشرب المتة ( نوع من الأعشاب)، وبيده القضيب المعدني فسكب الماء الساخن علي، إلا أنني ومن شدة الخوف لم أشعر به”.
وضعوا المعتقلات الستة في الطابق السفلي تحت الأرض في زنزانة مساحتها متر في متر، وكان هناك ضوء أحمر صغير مزعج جدا، وصوت تنقيط المياه يعذبهن، وكان يتم اقتياد كل واحدة منهن على حدة للتحقيق.
“الأكل كان مرة باليوم، والذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة مرة باليوم كذلك، في الوقت الذي يختارونه هم وليس نحن”، لا تتمالك مريم دموعها وهي تسرد.
تقول: “أضربت عن الطعام لأربعة أيام فنزل أحد الضباط وسألني عن سبب انقطاعي عن الأكل، فأخبرته أني أريد الخروج، فسألني مجددا ماذا تريدين أن تأكلي، فأجبته ساخرة كرسبي (دجاج مقرمش)، لم أكد أنهي الكلمة حتى انهالوا علي بالضرب”.
وعن حالات الاغتصاب تروي مريم: “بعد الساعة 12 ليلا كانوا يأخذون الفتيات وكنت منهن، ويتم اغتصابنا. إحدى صديقاتي فقدت عذريتها، واغتصبوا امرأة عمرها 55 سنة”.
كانت مريم تتضرع للجلادين ألا يغتصبوها من أجل الله والنبي، لكنهم كانوا يقولون لها ساخرين “الله ليس موجودا والنبي في إجازة”.
وأخيرا خرجت مريم في صفقة تبادل، معتقدة أن أهلها وزوجها سيتقبلونها بشوق، لكن أحضانهم كانت موصدة، وتنكر لها الأهل والمجتمع، ما جعلها تتمنى لو ماتت داخل أقبية التعذيب ولم تر النور مجددا.
لدى وصولها إلى تركيا كانت مريم في حالة نفسية سيئة جدا، وحاولت الانتحار 3 مرات، وبعد ذلك خضعت لعلاج نفسي.
وتختم مريم قائلة: “تركيا احتضنتني، عندما تخلى عني الجميع، ونبذني أهلي ومجتمعي”.
وحسب مصادر سورية معارضة، يبلغ عدد المعتقلين في سجون الأسد، 500 ألف معتقل على الأقل، في حين يبلغ عدد المعتقلات اللواتي تعرضن للتعذيب والاغتصاب نحو 13 ألف و500 معتقلة، وما زالت حوالي 7 آلاف معتقلة في أقبية النظام السوري حتى يومنا هذا.

JoomShaper