في مدينة أعزاز في الشمال السوري، يعتمد النازحون على السلات الغذائية التي تقدمها المنظمات الدولية وتشمل مواد أساسية مثل الأرز والعدس والبرغل، أما الآن، وبعد الرفض الروسي لتمديد آلية تقديم هذه المساعدات، أصبح هؤلاء وغيرهم من سكان مناطق الشمال الغربي السوري بمواجهة "كارثة" وفق تعبير ناشطين تحدث معهم موقع "الحرة".
ويقول أيهم الصالح، المقيم في أعزاز، لموقع "الحرة"، إن أصغر عائلة تتكون من ثمانية أشخاص "وأحيانا العائلات تأتيهم سلتان والعائلات تنظم وضعها على هاتين السلتين لسد جوعها، فتخيل لو فقدت هذه المساعدة".
وبات نحو 4.1 مليون شخص في شمال غربي سوريا غير قادرين على الحصول على ما يحتاجونه من مساعدات مُلحة، بعدما انتهت، الإثنين، آلية الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية الحيوية عبر الحدود لملايين الأشخاص.
وجاء القرار بعدما استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، لمنع صدور قرار يمدد الآلية لتسعة أشهر، وذلك غداة انتهاء مفاعيل هذه الآلية التي تتيح إيصال مساعدات حيوية لملايين القاطنين في مناطق تقع خارج سيطرة دمشق، وفقا لوكالة فرانس برس.
وفي حين طالبت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية وعدد من أعضاء مجلس الأمن بتمديدها لمدة عام، أصرت روسيا على تمديدها ستة أشهر فقط، واستخدمت "الفيتو" ضد حل وسط بتمديدها تسعة أشهر.
وتسمح الآلية، التي أسست عام 2014، للأمم المتحدة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا من دون الحصول على موافقة النظام السوري، الذي يندد، من جهته، بهذه الآلية ويعتبرها انتهاكا لسيادته
وتقول الأمم المتحدة إن 4 ملايين شخص في المنطقة، معظمهم من النساء والأطفال، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بعد سنوات من النزاع والأزمات الاقتصادية وتفشي الأمراض والفقر المتزايد، الذي فاقمه زلزال فبراير المدمر.
وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يعيش في شمال غربي سوريا أكثر من 4.6 مليون شخص، نزح نصفهم على الأقل مرة واحدة أو أكثر منذ بداية النزاع. والمدنيون في هذه المناطق محاصرون، ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لمغادرة المنطقة، ولا يمكنهم العبور إلى تركيا، ويخشون الاضطهاد إذا حاولوا الانتقال إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.
ويشير الناشط السوري المقيم في تركيا، محمود الحموي، إلى اكتظاظ سكاني كبير في هذه المنطقة زاد مع تواجد المخيمات، موضحا أن السكان "يعتمدون كل الاعتماد على السلات الغذائية والعلاج الطبي المقدم وهو ما سيحرمون منه".
وأصبح هؤلاء، وفق الناشط، مجبرين على الاعتماد على أنفسهم، وهو أمر صعب تحقيقه بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها ملايين السوريين.
ويوضح الصالح، من جهته، أن المنطقة معتمدة على المساعدات الأممية لأنه لا توجد فرص عمل، ومع غياب الأمن بسبب القصف المستمر للطيران الروسي وطيران النظام "لا تتواجد إمكانية ممارسة أعمال وأنشطة تجارية، وفقط بعض التجارة التي تمر عبر تركيا".
ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، يعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، ولا يستطيع 12 مليون سوري على الأقل، أي أكثر من نصف السكان، الحصول على ما يكفي من الغذاء الجيد أو تحمل تكاليفه.
ويوضح الصالح أن هناك "أدوية معينة لا تتوافر أصلا في الشمال السوري، وهناك نقص في حفاظات الأطفال وأدوات المعاقين، ما يعني أنه ستكون هناك كارثة لأربعة ملايين شخص".
ويوضح أنه "تم تقليص المساعدات أصلا في الفترة الماضية، فما بالك بإغلاق المعابر الآن في وجه المساعدات".
ويشير إلى أن بعض الأسر لا تأتيها المساعدات وتعتمد على الأسر الأخرى التي تحصل عليها، ويشير إلى حالة شخص معاق لديه أربعة أطفال يعتمد على جزء من السلات الغذائية لجيرانه. وهو وضع وصفه الناشط بالقول: "هناك ناس يعتمدون على السلة وآخرين يعيشون على ما تبقى منها".
ويلفت الصالح إلى قرار خفض المساعدات عن ملايين السوريين.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن أنه مضطر إلى قطع المساعدات الغذائية والنقدية لما يقرب من نصف 5.5 مليون شخص يدعمهم في سوريا، اعتبارا من يوليو، بسبب نفاد الموارد المالية. وقال إن هذه الخطوة ستؤثر بشدة على ما يصل إلى 2.5 مليون شخص.
ومن تل أبيض، بشمالي سوريا، قال الناشط، خالد الحمصي، لموقع "الحرة" إن فكرة إيقاف المساعدات "غير مقبولة"، لأنه "لا يتوفر استقرار في المنطقة وحالات النزوح تتكرر والوضع الاقتصادي متأزم".
ويقول الحمصي، وهو صحفي أجرى استطلاعات للرأي بين المدنيين بشأن أوضاعهم إن "البلد في حالة حرب قائمة، وهناك قصف على المناطق شمالي سوريا. الحرب لم تنته حتى يمكن الحديث عن انتهاء الحاجة للمساعدات، لا تزال هناك عمليات نزوح، وهناك مشاكل اقتصادية وبنية تحتية مخربة".
ويقول إن قرار إيقاف المساعدات سيزيد المعاناة بعد كارثة الزلزال التي أضافت للسوريين بالفعل معاناة جديدة.
ويوضح الحموي، من جانبه، أن مناطق الزلزال هي الأكثر تضررا فهؤلاء "خرجوا بأغراضهم وخسروا عوائلهم ثم جاء قرار قطع المعونات".
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أنه تم تسجيل أكثر من 103 آلاف نازح داخليا في شمال غربي سوريا منذ الزلزال، الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير، وتضرر أكثر من 10 آلاف و600 مبنى جزئيا أو كليا بسبب هذه الكارثة.
وأوضح المكتب أنه قبل الزلازل، كان ما لا يقل عن 4.1 مليون شخص في شمال غربي سوريا يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وتُقدم المساعدات في الغالب عبر وكالات الأمم المتحدة وشركائها على الأرض من تركيا، من خلال آلية عابرة للحدود بتفويض من مجلس الأمن، بالإضافة إلى بعض منظمات الإغاثة الدولية والإقليمية التي تعمل خارج منظومة الإغاثة الأممية.
ويشير الحمصي إلى معاناة سكان المخيمات الذين زادت معاناتهم بعد أن فقدوا بيوتهم ولا يتحملون العودة لمناطق سيطرة النظام وهؤلاء "قد يحتاجون حتى إلى الماء".
ويشير أيضا إلى تدهور اقتصادي بسبب تراجع العملات، سواء الليرة التركية أو السورية، ويقول إن المدخول اليومي للسوري في الشمال لا يتجاوز دولارين يوميا، لأن الفرص الاقتصادية غير متوفرة.
ويخشى الصالح من وقوع "كارثة جوع" في المنطقة بعد الفيتو الروسي، لأن المنطقة تخلو من مستودعات للأغذية، وحتى لو كانت هناك مستودعات، "لا تتواجد قوة شرائية، لأن فرص العمل غير متوفرة ولا يتواجد أمن ولا أي من مقومات الحياة".
ويطلب الصالح من دول العالم الضغط على روسيا بشكل أكبر حتى تدخل المساعدات، التي، حتى لو تقلصت، لا يزال الملايين معتمدين عليها.
ويطالب الحمصي بإعطاء المسألة الإنسانية "أولوية"، وقال: "إذا لم تستطع الدول وقف الحرب، فلا يجب وقف أي مساعدة يمكن الحصول عليها".
ويدعو الحموي، من جانبه، إلى صياغة قانونية دولية تتجاوز الفيتو الروسي، عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل ضمان إيصال المساعدات بشكل دائم، وأكد ضرورة إبعاد "المواضيع الإنسانية عن مجلس الأمن وروسيا. لا يمكن رهن مصير شعب كامل بملف سياسي. هنا تسقط الإنسانية".