دمشق: «الشرق الأوسط»
سيطر الوجوم على الشارع السوري مع تسارع هبوط العملة المحلية المترافق مع فوضى غير مسبوقة في الأسعار التي ترتفع على مدار الساعة، وسط تحذيرات من مجاعة تهدد السوريين بسبب تدني الدخل أمام الغلاء الفاحش، بينما الحكومة تلتزم الصمت، وقد دعا مجلس الشعب إلى عقد دورة استثنائية، الاثنين، لدراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر صرف الليرة السورية.
وأوضح المجلس في بيان نشر في الإعلام الرسمي، أن الهدف من الدورة الاستثنائية دراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر صرف الليرة السورية.
وقالت مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إنه من المنتظر أن يتم استجواب الحكومة حول الأسباب التي أدت إلى التدهور المتسارع في سعر الصرف وما أحدثه من فوضى، ومناقشة سياستها في لجم ارتفاع الأسعار، وضرورة رفع الرواتب والأجور.
انهيار مستمر لليرة
وواصلت الليرة السورية انهيارها أمام العملات الأجنبية، حيث حدد المصرف المركزي سعر صرف دولار الحوالات بـ 9900 ليرة، يوم الأحد الذي وصل فيه سعر الصرف في السوق الموازية، إلى 12550 ليرة مقابل الدولار في أسواق العاصمة دمشق، وفي حلب إلى 12750 ليرة، ليعود ويأخذ طريق الهبوط بشكل غير مفهوم في ساعات بعد الظهر ليصل إلى 12300 ليرة في دمشق، وفي حلب 12450 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وبالتوازي مع ذلك، ارتفع سعر غرام الذهب في أسواق دمشق يوم الأحد، ليلامس حاجز 700 ألف ليرة، إذ سجل سعر غرام الذهب عيار (21) 695 ألف ليرة. وترافق انهيار الليرة بالإقبال على شراء ذهب الادخار، لا سيما الليرات الذهبية والأونصات. وفي تصريح للإعلام المحلي، قال رئيس جمعية الصياغة بدمشق، إنه يوجد نحو 250 ورشة لصناعة المشغولات الذهبية، مقابل ورشة واحدة لصناعة الأونصات والليرات الذهبية، وهناك ضغط عليها؛ لذلك لا تستطيع تغطية حاجة السوق منها، ويوجد نقص وشح بالكميات في الأسواق.
وتشير الأرقام الرسمية المتداولة إلى ارتفاع بالأسعار بنسبة 25%، بينما واقع الأسواق يؤكد ارتفاعات بنسبة 100% لغالبية السلع الضرورية خلال أقل من شهر، مقابل تراجع المبيعات.
أسواق الخضار في دمشق المعروض أكثر من قدرة المشترين
بائع خضراوات وفواكه في سوق الشيخ محيي الدين الشعبي، قال إنه خفض كميات بضاعته إلى أكثر من النصف، ومع ذلك لا أحد يشتري. فجرزة بقدونس أو نعناع بـ1000 ليرة، والبندورة بـ 6000 آلاف، والليمون الحامض 12000 ألف وما فوق، كيلو التفاح الموسمي بـ 1800، وكذلك الكرز والدراق. ويقول: «انظروا السوق، لا توجد فواكه وخضراوات طازجة أغلبها أصابها الذبول». ويضيف بقسم أن دخل المحل لا يغطي نفقات نقل البضاعة من سوق الهال: «لم نعد نعرف بأي سعر نشتري، وبأيها نبيع».
وأكدت مصادر تجارية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، امتناع التجار عن طرح الكثير من المواد الغذائية المستوردة في الأسواق، ما أدى إلى افتقادها وارتفاع أسعارها، كالسكر الذي تجاوز سعر الكيلو منه 18000 ألف ليرة في بعض الأسواق، حيث يبلغ متوسط سعر كيلو السكر المستورد بالجملة نصف دولار، ويطرح بالأسواق بما يعادل الدولار، وقبل شهر كان سعره 8000 ليرة، بينما وصل اليوم إلى 18000 ألف.
وأشارت المصادر إلى عجز الحكومة عن اتخاذ قرارات تسهم في تخفيض الأسعار، فهي تصدر قراراً لتسهيل الاستيراد وتردفه بتعليمات تنفيذية تكبل القرار، بحيث تبقي الباب موارباً ويدها على المقبض تفتحه وتغلقه متى تشاء ولمن تشاء. وبهذه الشروط لا يعمل إلا تاجران إما مقامر وإما ذو نفوذ.
ولفتت المصادر إلى سلسلة الأسباب المترابطة التي تسهم برفع الأسعار، منها صعوبة الاستيراد، وأزمة الوقود والطاقة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن، وانهيار العملة المحلية، وجميعها يرتبط بانسداد أفق الحل السياسي والتصعيد العسكري في شمال وشرق البلاد.
ومن جانبه، حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان، من وصول السوريين إلى «حافة الهاوية والمجاعة». وجاء في تقرير له الأحد، أن الـ 100 دولار أميركي تساوي مليوناً و250 ألف ليرة سورية (أصبحت مليوناً ونصف المليون بعد ساعات قليلة من صدور تقرير المرصد)، بينما راتب الموظف والمتقاعد الحكومي لا يزال ثابتاً بكافة فئاته، حيث «يبلغ متوسط الراتب الشهري أقل من 10 دولارات أميركية، وهو أقل مرتب في العالم، ولا يكفي سداد احتياجات العائلة ليوم واحد فقط». المرصد طالب المجتمع الدولي «برمي طوق النجاة والتدخل لإغاثة السوريين، قبل أن يصبح السواد الأعظم من الشعب السوري يعيش في حالة سوء تغذية ومجاعة بسبب الغلاء الفاحش».
مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق
وازدادت في الفترة الأخيرة نسب الإصابة بالجلطات القلبية بين فئة الشباب بشكل لافت، وأرجع الدكتور نبوغ العوا، السبب إلى «انخفاض المناعة الذاتية نتيجة التوتر النفسي، والعادات غير الصحية مثل التدخين، والإرهاق في العمل لا سيّما في الظروف الحالية والإمكانات المادية المحدودة».
وقال الدكتور العوا في تصريحات للإعلام المحلي إنّ «الحزن والكآبة ينقصان المناعة وفق الإثباتات العلمية»، مضيفاً أنّ ثلاثة أرباع الشعب السوري مهموم، في ظل الأوضاع الحالية.
وفي السياق نفسه، أكدت مصادر طبية ازدياد الأمراض الناجمة عن الاكتئاب النفسي؛ حيث أكدت أكثر من دراسة محلية في الجامعات السورية ارتفاع نسبة الأعراض الاكتئابية أكثر من النسب العالمية المتعارف عليها. مع ارتفاع أعداد وصفات الأدوية النفسية العام الحالي بنسبة تصل إلى 70% عن العامين الماضيين، خصوصاً أدوية الاكتئاب.