ربى الرياحي

في أغلب الفيديوهات التي تبث عبر شاشات التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي، يتصدر أطفال غزة المشهد نتيجة الحرب الشرسة على القطاع والتي ما تزال منذ أكثر من شهر ونص تحصد آلاف الأطفال. في غزة تغتال الطفولة ويباد الصغار في مجازر وحشية.

هناك في القطاع، حيث القصف والتشريد والهدم المتواصل للمنازل والمدارس والمستشفيات يقتلون جميعا بدم بارد. الأطفال في غزة يدفعون ثمن الحرية والتحرير أرواحهم وأحلامهم وبراءتهم.

فيديوهات كثيرة كانت شاهدة على الإجرام الإسرائيلي، حيث تطغى صرخات الأطفال على كل شيء صرخاتهم المحملة بالقهر والخوف والحسرة تأتي عالية من عمق الجرح لتزلزل الضمائر والقلوب.

لكل طفل هناك قصته التي ستبقى تفاصيلها حاضرة في ذاكرته حكايات مؤلمة تصف حجم المعاناة والخوف لدى أطفال باتت أقصى أمنياتهم أن تنتهي الحرب ليستطيعوا أن يعيشوا بسلام ويستعيدوا أحلامهم المسروقة. أطفال بلا طفولة هكذا الحال في غزة فهم إما أن يستشهدوا أو يعيشوا مصابين بإعاقات دائمة أو ملامح مشوهة، لذا هم يكبرون قبل الأوان ويختبرون الألم بأبشع صوره، أصواتهم وعيونهم تحكي الوجع بكل اللغات على مرأى من العالم، لكنهم مع ذلك يظلون يحلمون بالعودة إلى بيوتهم وغرفهم وأسرّتهم وألعابهم وإلى المدرسة حيث مقاعدهم وكتبهم وأصدقاؤهم، وهم برغم القتل ورائحة الموت المنتشرة في كل مكان يصرون أن يبقوا أوفياء لأحلامهم ولحياة يريدونها آمنة تحتضنهم وينتصرون فيها على كل ما مروا به من خوف وحسرة.

وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قالت في اليوم العالمي للطفل والذي كان قبل أيام أن أكثر من 5000 طفل بينهم ما يزيد على 3000 طالب استشهدوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في حين أن 1800 طفل في عداد المفقودين إلى جانب آلاف الجرحى وعشرات الآلاف ممن دمرت منازلهم. 

وأضافت الوزارة في بيان صحفي لها بالتزامن مع اليوم العالمي للطفل أن مشاهد قتل الأطفال وطلبة المدارس في قطاع غزة تجاوزت كل الأعراف والمواثيق، إذ تكشف هذه المشاهد المروعة التي تتناقلها الشاشات ووسائل الإعلام عن عقلية الاحتلال واستهدافه المتواصل للتعليم في كل محافظات فلسطين. وأشارت إلى أن هناك مشاهد أخرى تشهدها محافظات الضفة الغربية والقدس من قتل بدم بارد واقتحامات للمدارس وعرقلة وصول الطلبة والكوادر التربوية.

ودعت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية دول العالم ومؤسساته إلى حماية الحق الطبيعي لأطفال فلسطين في الحياة والتعليم الآمن والمستقر والوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي والممارسات القمعية لجيشه عبر مسلسل استهداف الأطفال المتواصل. وطالبت الوزارة كل المنظمات والمؤسسات المدافعة عن الطفولة والحق في التعليم بتحمل مسؤولياتها في سياق اختصاصها ولجم الانتهاكات المتصاعدة ووقف الجرائم التي يقترفها الاحتلال بحق الأطفال والطلبة في المناطق كافة والتدخل العاجل والفوري لوقف هذا العدوان.

وبدوره يبين الأختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن أي حدث أو كارثة تصيب الإنسانية حتما يستمر تأثيرها لوقت طويل ولا تنسى وتظل تأثيراتها النفسية هي الأخطر على كل من شاهدها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأن الجراح الممزوجة بالقهر والظلم دائما تحفر في الذاكرة وتغرس في النفس ألما وحسرة، لافتا إلى أن كل هذه المشاهد تخزن في داخل الإنسان وغالبا ما تظهر بصور مختلفة بشكل أو بآخر وذلك حسب طبيعة الإنسان وصلابته النفسية.

ووفق مطارنة، فإن الأطفال ومشاهد قتلهم الموثقة عبر الفيديوهات تحمل الكثير من القهر والخوف والحسرة، وما يحدث في غزة اليوم وتحديدا بحق الأطفال إبادة حقيقية لهم ولأحلامهم وعائلاتهم ومنازلهم وجرائم تخطت كل المواثيق الدولية وضربت بها عرض الحائط، فالطفل ببراءته يبحث عن الفرح والابتسامة والحب.

الحرب في غزة شوهت كل شيء جميل وحولته لأنقاض فأقل ما يقال عن الأحداث هناك إنها وحشية. يقول مطارنة إن الفيديوهات المنتشرة هنا وهناك تنقل جزءا بسيطا من حجم الوجع والحزن والخوف الذي يعيشه الأطفال في القطاع، فأحلامهم تسرق منهم وبيوتهم تدمر أمام أعينهم ومسلسل الفقدان اليومي لأب أو أم أو أخت أو أخ أو حتى عائلات بأكملها ينهكهم نفسيا وروحيا ويسلب منهم على الأقل في الوقت الحالي الأمل بالمستقبل ولذلك الحرب في غزة ستخلق جيلا من الثوار جيلا ناقما غاضبا يحب أرضه ويناضل بروحه من أجل استرجاعها وحمايتها.

وترى خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن في كل إبادة أو مجزرة يقوم بها الاحتلال ضد الفلسطينيين، ينتاب المجتمع الأردني حالة من الغضب والسخط والتعاطف الإنساني الكبير مع الضحايا والمصابين والمنكوبين وخاصة الأطفال، فلا أحد يستطيع أن يتجاوز منظر أطفال بعمر الورد فقدوا حقهم في الحياة، حالة من الصدمات العاطفية والوجدانية نعيشها كل يوم بسبب هؤلاء الأطفال لأنهم فئة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، لم ترتكب أي ذنب حتى تُقتل طفولتها.

استهداف لأطفال أبرياء يجعلنا نتأكد أنه لا توجد أي قيم بشرية أو إنسانية ولا وجود لحقوق الإنسان المزعومة ولا احترام لأي اتفاقية أو معاهدة أُممية. التعاطف الإنساني اليتيم هو كل ما نملكه اتجاه هؤلاء الأطفال كشعوب عربية وإسلامية مع بعض الوقفات والصرخات واللافتات والمقاطعات، وفق إبراهيم، ونحاول أن نؤسس ثقافة مقاومة ومُقاطعة لكي نُثبت شيئا من مسؤوليتنا اتجاه هؤلاء الأطفال ونُشكل لدينا وعيا سياسيا وثقافيا وقيم مقاومة للأحداث الإجرامية والاستيطانية ننشرها لكل العالم.

اليوم المجتمع الأردني يعيش حالة عامة من الحزن والإحباط والكآبة، شعور العجز وعدم الرغبة في إنجاز أي شيء، هذا المجتمع بالذات يعيش بشكل عام صدمة نفسية حقيقية أكثر من أي مجتمع آخر بسبب التقارب الجغرافي والسياسي والثقافي ووحدة الدم والمصير المشترك مع الشعب الفلسطيني، بحسب إبراهيم.

 اليوم عقول الأفراد ووجدانهم وقلوبهم تتجه نحو الأحداث في غزة، المجتمع بأكمله مشغول ومراقب ومُتتبع لما يحدث، الحديث العام في الشارع والمنزل والعمل والمدرسة حديث مُشترك بلغة واحدة لغة التعاطف والحزن ولغة الدعاء والأمل بالنصر ووقف الظلم.

وتشير إبراهيم إلى أن كل طفل في غزة نعتبره أحد أطفالنا، كل صورة وفيديو نشاهده ينطبع في خيالنا ونسقطه على أطفالنا فنشعر بشدة الألم. حتى سلوكياتنا الاجتماعية اختلفت، فنحن نخجل أن نفرح وأن نسمع الأغاني غير الوطنية، نخجل أن نُقيم الأعراس أو الأفراح، يؤلمنا ضميرنا ويُحاسبنا حتى في الأكل والشرب والنوم، كل شخص نلتقيه يُعبر عن حزنه ورفضه لما يحدث، لا نستطيع أن نتناقش بأي موضوع غير الذي يحدث في غزة. حتى في بيوتنا، نجلس طويلاً أمام شاشات التلفاز نتابع الأحداث ونبكي أحياناً، في الوقت الذي نعيش فيه تلاحما وتضامنا اجتماعيا كبيرا في المجتمع مع كل ما يجري من أحداث.

JoomShaper