دمشق: «الشرق الأوسط»
في سابقة لم تعهدها الجامعات السورية الحكومية، أقامت المستشارية الثقافية للسفارة الإيرانية في سوريا، وبالتعاون مع جامعة دمشق – قسم اللغة الفارسية، احتفالاً خاصاً بمناسبة «ليلة يلدا» (شب يلدا)، وفق ما ذكرته المستشارية على صفحتها الرسمية في «فيسبوك».
وأفادت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، بأن قسم اللغة الفارسية وبالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية، أقام فعالية ثقافية علمية بمناسبة احتفاء جامعة دمشق بالذكرى المئوية لتأسيسها.
وذكرت الكلية، أن محور الفعالية من المستشارية الثقافية الإيرانية كان «يوم يلدا»، حيث «قدمت مداخلات ثقافية، وشعرية، ومسابقات من الأقسام المشاركة حول المناسبة»، لافتة إلى حضور السفير الإيراني وأعضاء السفارة، وعميد كلية الآداب ونوابه، ورؤساء وأعضاء الهيئة التدريسية في أقسام اللغة الفارسية بجامعات دمشق، وحلب، والبعث (حمص) وحضور طلابي، وجماهيري.
ولم يسبق أن شهدت جامعة دمشق فعاليات ثقافية احتفالية بالأعياد الدينية والقومية السورية، كأعياد النيروز (يحتفل به الأكراد) أو عيد رأس السنة الآشورية، وعيد الرابع الخاص بالعلويين، وعيد الغدير، وعيد الفرح بالله الخاص بالمرشديين، وأعياد المسيحيين، مثل البربارة، والغطاس والتجلي والسيدة، وغيرها من أعياد يحيي السوريون وغيرهم من أبناء الدول المجاورة طقوسها التراثية، حيث دأبت السلطة البعثية على النأي عنها رسمياً؛ كون سوريا بلداً علمانياً.
وقالت مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»: إن مساعي إيران للتغلغل في المجتمع السوري ليست جديدة، إلا أنها كانت أوضح وأوسع خلال عهد بشار الأسد، ومع ذلك ظلت بعيدة عن المؤسسات العلمية الحكومية، إلى أن فرضت روسيا الروسية كلغة ثانية في المناهج في مراحل التعليم الأساسي، لتجد إيران نفسها في خضم تنافس قوي مع روسيا، التي تلقى ثقافتها قبولاً نسبياً في المجتمع السوري، الذي يضمر عداءً عقائدياً لإيران على خلفية إصرارها على نشر المذهب الشيعي.
وقد تمكنت إيران من إحداث خروق ثقافية عدة، إلا أنها ظلت محدودة، لا يؤسَّس عليها كحالة ثقافية مقبولة لدى أطياف السوريين، بل إن بعض الخروق خلّفت أثراً سلبياً، منها معرض الفن التشكيلي الذي أقامته المستشارية الثقافية الإيرانية، بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة بدمشق، بعنوان «الخميني في مرآة الفن السوري» في يونيو (حزيران) الماضي، والذي أحدث موجة استنكار وسخرية في الأوساط الثقافية السورية، حيث لم يسبق وأقيم معرض مماثل للرئيسين الأسد الأب والابن طوال حكمهما لأكثر من خمسين عاماً تحت عنوان «الأسد في مرآة الفن السوري» في كلية الفنون الجميلة، وذلك رغم إنتاج مئات الأعمال الفنية لهما من لوحات وتماثيل منتشرة في طول البلاد وعرضها.
وأكدت المصادر، أن الحضور الإيراني بطابعه الثقافي الديني، في كلية الفنون الجميلة بدمشق، كان «سوريالياً»، بل صادماً كما هو مشهد الاحتفال بـ«ليلة يلدا» في جامعة دمشق التي كان لها دور تنويري نهضوي بداية القرن الماضي. حتى أن الجامعة لم تجرؤ على تغطية تلك النشاطات، إلا بشكل مقتضب.
وبحسب وكالة «مهر» الإيرانية، تُعدّ «ليلة يلدا» أطول ليلة في السنة يحييها بعض الأقوام منذ آلاف السنين. في إيران والبلدان التي تتقاسم معها الثقافة نفسها، وهي أول ليلة من فصل الشتاء واسمها «شب چله» أو «شب يلدا» أي (ليلة يلدا) وهي ليلة الانقلاب الشتوي. وفي التقويم الإيراني، الذي يتطابق مع التقويم الطبيعي، يوافق 22 ديسمبر (كانون الأول) ويعدّ اليوم الأخير من فصل الخريف، مهماً وعزيزاً في الثقافات المختلفة. و«يلدا» كلمة سريانية تعني «ولادة الشمس».
وفي الاحتفال بكلية الآداب بجامعة دمشق، الخميس، تحدث عميد الكلية عدنان مسلم عن أن «هذه الاحتفاليات والمناسبات تعمق العلاقات الثقافية ما بين البلدين». في حين أكد السفير الإيراني حسن أكبري على «أهمية إقامة مثل هذه المناسبات التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك قوة وعمق واستراتيجية هذه العلاقات بين طهران ودمشق».
وزادت إيران نشاطها في نشر ثقافتها، عبر التمدد نحو التعليم الحكومي، لا سيما التعليم العالي. وتمكنت خلال السنوات السبع الأخيرة من افتتاح مراكز لتعليم اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية، كما عقدت اتفاقيات عدة خاصة بالتعليم، وجرى افتتاح مدارس وجامعات إيرانية في سوريا. ومؤخراً، أعلن رئيس جامعة طهران الحكومية، محمد مقيمي، العزم على افتتاح فرع للجامعة في دمشق، وذلك خلال لقائه مع نائبة وزير التعليم العالي السوري، فاديا ديب، في طهران. كما عبر مقيمي عن عدم رضاه عن مستوى العلاقات العلمية والأكاديمية بين البلدين. وقال: إنها «ليست مرضية ويجب رفع مستواها».