ليث أبي نادر
كشفت مصادر من القطاع الطبي في العاصمة السورية دمشق عن ارتكاب شركات التعقيم وتنظيف المرافق الصحية انتهاكات قانونية خطرة عبر توظيف أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة، متجاهلة الأضرار التي قد تنجم عن هذا العمل على هؤلاء الأطفال، ضاربة بكل المواثيق الإنسانية والحقوقية عرض الحائط.
وقالت مصادر حقوقية مطلعة على الملف لـ"العربي الجديد"، إن الأطفال دون الرابعة عشرة من عمرهم يشكلون ما نسبته 80% من الكوادر العاملة في شركات تعقيم وتنظيف المرافق الصحية العامة والخاصة في سورية، وأن هذا التوظيف غير القانوني تنتهجه الشركات لعدة أسباب، أولها هجرة اليد العاملة، وثانيها الأوضاع المادية.
وأوضحت المصادر أن "غالبية الشبان السوريين هاجروا هرباً من الحرب والفقر، وبحثاً عن أجور تضمن لهم ولذويهم عيشاً كريماً في ظل تدني الأجور في البلاد، في حين يقبل هؤلاء الأطفال بأجور لا يمكن أن يقبلها البالغون، إذ لا يتعدى الأجر الشهري للطفل العامل 200 ألف ليرة سورية (13.30 دولاراً أميركياً)، إضافة إلى أن قلة أعداد الكوادر المسجلة في الشركات التي يمتلك معظمها نافذون في الدولة، يساعدهم على التهرب الضريبي".
وتستغل الشركات ثغرات قانون العمل السوري الذي يمنع عمالة الأطفال من دون سن السادسة عشرة، لكنه يناقض نفسه ليسمح في إحدى فقراته بعمل الطفل ست ساعات حداً أقصى بموافقة ولي أمره.
ويرى ناشط حقوقي من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لدواع أمنية؛ أن "هناك تلاعباً بالقوانين بتواطؤ حكومي". موضحاً لـ"العربي الجديد": "تلزم الفقرة الأولى من المادة 32 لاتفاقية حقوق الطفل التي تعد سورية عضواً فيها، الدول الأعضاء بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل خطير أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو يشكل ضرراً على صحته أو نموه البدني، أو العقلي، أو الاجتماعي، كما تلزمها بفرض عقوبات أو جزاءات أخرى بحق مشغلي الأطفال بغية ضمان إنفاذ هذه المادة بفعالية. لكن اعتبارات كثيرة تقف حائلاً دون تطبيق أحكام هذه المادة في سورية، أولها الفساد الذي يعتري البلاد، والذي يعتبر المسؤول الأول عن مخالفة المواثيق الدولية".
ويشدد الناشط الحقوقي على أن "النظام السوري الحاكم هو المسؤول الأول عن تجاهل المواثيق الإنسانية الدولية، وعلى رأسها ما يتعلق بالطفولة، فهو لا يكترث لها، ويفضل تسيير مصالح المقربين منه، متغافلاً عن النتائج الكارثية التي تحدثها هذه المخالفات. تشغيل الأطفال يؤدي إلى العديد من الأضرار، أولها حرمانهم من حقهم في التعليم، مع تفاقم المخاطر الصحية والنفسية التي قد تصيبهم مباشرة أو بشكل غير مباشر".
فيما يرى طبيب مختص في طب الأطفال يعمل بأحد مستشفيات دمشق، وطلب أيضاً إخفاء اسمه لأسباب أمنية؛ أن هذا العمل كغيره من الأعمال يشكل خطراً صحياً على الصحة الجسدية للأطفال، وربما يزيد خطره بسبب طبيعة العمل الذي يفرض وجود هؤلاء الأطفال في المستشفيات والمراكز الصحية، ما يعرضهم للعدوى بأمراض لا حصر لها كون مناعتهم البنيوية ليست مكتملة، إضافة إلى عدم التزام الشركات فعلياً بالأساليب الوقائية والاحترازية الكافية لضمان سلامة الأطفال العاملين لديها، عدا عن نقص الوعي لدى العديد من الأطفال بقواعد السلامة المهنية.
ويقول الطبيب السوري لـ"العربي الجديد": "لا يكمن الخطر فقط في تعرض الأطفال لمخاطر العدوى، وإنما يكمن في كونهم ناقل لتلك الأمراض المعدية إلى محيطهم، ولزوار المشافي التي يقومون بأعمال التعقيم والتنظيف فيها، وأيضا للكوادر الصحية العاملة فيها، وبالتالي فإن إهمال ملاحقة الموضوع من قبل السلطات الأمنية والصحية يمكن اعتباره إهمالاً متعمداً في ظل تردي الواقع الخدمي في القطاع الصحي، وقلة العلاجات للعديد من الأمراض، ما يهدد بانتشار أنواع عديدة من الأمراض".
طلاب وشباب
العراق: عمالة الأطفال تزيد نسبة التسرب من المدارس
ويلفت إلى خطورة دخول هؤلاء الأطفال إلى غرف العمليات لتنظيفها وتعقيمها، سواء عليهم أو على المرضى الذين سيدخلون تلك الغرف فيما بعد، والذي قد يتسبب بإصابات جرثومية أو فيروسية قد تؤدي إلى الوفاة. لا تنحصر المسؤولية في الفاسدين الحكوميين وحدهم، بل تتحملها أيضاً المستشفيات التي تقبل بعمل هؤلاء الأطفال في مرافقها، ما يشكل تواطؤاً على الصحة العامة، كون أنه من المفروض على الإدارات الصحية التي يشكل الأطباء قوامها؛ تدارك مخاطر الأمر، لكنها تتعامل بفساد مكشوف معه بغية الانتفاع المادي عبر تحصيل الرشاوى من شركات التعقيم والتنظيف".
وقدرت إحصائية أممية نسبة الأطفال العاملين في مناطق سيطرة النظام السوري بنحو 25% من إجمالي العاملين خلال الفترة من عام 2012 إلى نهاية عام 2023، بزيادة قدرها 15% مقارنة مع أرقام عام 2010.