لم أعلم مقدار الأسى وخيبة الأمل اللذين أصابا كثيراً من الناس حتى رأيت ما أثارته كلمة صغيرة كتبتها أعزّي فيها الذين ترقبوا العيدَ مقترناً بالنصر، فجاء العيدُ ولمّا يأتِ النصر. آلاف وآلاف من الناس تمنّوا أن يكون هذا العيد عيدين، وآلاف وآلاف منهم ارتقى أملهم حتى وصل إلى درجة من درجات اليقين، فلما انقضى رمضان والطاغية حيث هو ما يزال تضاعفت الأحزان وخابت الآمال.
يا أيها المؤمنون: إنكم تقيسون المعركة بالساعات والأيام فتستكثرون بقاء المجرمين إلى هذا اليوم، ولكنْ ما ساعاتٌ وأيام وما أسابيعُ وشهور في أعمار الأمم؟ منذ كم ضربَت شجرةُ الشرّ جذورَها في أرض الشام؟ من نصف قرن من الزمان. أتستكثرون أسبوعين من الصبر والمعاناة في سبيل الحرية مقابلَ كل سنة من سنوات القهر والاحتلال والرَّصْف في الأغلال؟ يظن الظالم ويظن أولياؤه أنه ثبت في الأرض ثبات الجبال فلا تهزّه ريحٌ ولا يقتلعه إعصار ولو ثار، ويكاد نفر من المؤمنين يُفتَنون فيظنونه كذلك، ثم يضربه الله ضربة قاصمة، فإذا هو تمثال من ثلج طلعت عليه شمس الصباح فذاب وابتلعته الأرض: {فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون}، {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظَرين}.
لقد طال ليلُ مَن مضى من الظالمين حتى ظنّ قومٌ أنه لا فجرَ بعده. هذا مبارك، كم ثَقُل على صدور أهلنا في مصر؟ لقد مضت أيام سألت فيها ربي فقلت: إلى كم تمدّ له يا رب؟ لقد طغى وبغى وَصال وجال حتى بدا أنه لا يموت ولا يزول، فما هو إلا أن قال الله له “زُلْ” فزال، تهافت في أيام قصار كما تتهافت كومة من رمل ضربها إعصار. وذاك الطاغية الآخر في ليبيا؛ لقد طلع على الناس في زينته وقال أنا ربكم الأعلى، وكاد لسان حاله ينطق فيقول: يزول الفلك ولا أزول. ثم دار عليه الزمان دورة فأخرجه الثوار من حيث يَمشي ما يخرج منه ومنهم، أسيراً كسيراً ذليلاً، وقد اجتمع في عينيه من الذلّ والهوان ما لو وُزِّع على مليون إنسان لكفاهم وفاض منه فائض من الذل والهوان.
يا أيها الناس: والله إني لأنظر إلى مصارع من مضى من الطغاة فأرى مصارع طغاة سوريا، ولسوف ترونهم عما قريب في مشهد تقرّ به العيون وتبرد به الأكباد فتذكرون هذه الكلمات، أو يقرؤها أبناؤكم بعد دهر فيقولون: كان في الشام ذات يوم جبار سمى نفسَه أسداً لمّا خلا من الأسود العرين، فما هي إلا أن عادت إلى الشام آسادُها، وما هي إلا جولة مع أسود الشام وكُماتها وأبطالها حتى انقلب نعجة مذعورة، وما هي إلا ساعة في عمر الزمان حتى رُمي جيفة منحورة، ثم أشرقت على أرض الشام شمس يوم جديد بلا أسد ولا عبيد.
ذلك هوالعيد السعيد لمن استبطأ النصرَ وركبه الهمُّ في هذا العيد.
المصدر:الزلزال السوري