في ظل شجرة أوراقها كبيرة كأذن الفيل وثمارها حلوة كشهد العسل ورائحتها أذكى من المسك والعنبر، جلست امرأة وبطنها قد بلغ شهره التاسع ولكنها لا تشعر بآلام المخاض، فإذا بامرأة أخرى تجلس إلى جانبها وهي منتفخة البطن أيضاً مع شيء من الحركة بداخل رحمها…
تبتسم المرأة الأولى للثانية وهي تسألها: هل جئت لتولدين هنا؟
الثانية: أجل، لقد قالوا لي إن وضعتي حملك في الجنة بين يدي الله وتحت رعاية ملائكته فإنك لن تشعري بأي آلام…
الأولى: صحيح ، لقد اختفت آلام المخاض لحظة دخولي الجنة وأنا أشعر الآن بركلات الجنين محاولاً أن يجد مخرجاً إلى هذا العالم، لقد مل ضيق المكان…

الثانية: سوف يخرجون إلى أجمل عالم، الملائكة قالوا لي عندما دخلت الجنة أن من تضع مولودها هنا فإنه سيأتي وله جناحين..
الأولى: يا خجلتي ، لم أعرفك على نفسي ، أنا فاطمة ، فاطمة خسرف من البويضة الشرقية بريف حمص.
الثانية: وأنا هبة هلال من دوما بريف دمشق…
فاطمة (الأولى): سأضع مولداً ذكراً…
هبة (الثانية): وأنا سأولد أنثى، كم الفتيات الصغيرات ، سوف أصنع لها ضفائر صغيرة، انظري إلى ربطات الشعر هذه، لقد اشتريتها لها…
فاطمة: أنا أحب الأطفال الذكور ، أريد ابني أن يحميني ويحمي أبوه عند الكبر، سأربيه على حب الوطن وقول الحق..
هبة: من دلّك على هذا المكان؟
فاطمة: سمعت صوت قصف[1] وفجأة رأيت الملائكة يحومون في السماء فإذا بهم يدخلون البيت ويقولون لي أن موعد الولادة الذي يفترض أن يكون يوم غدٍ قد صار اليوم، فأخذوني إلى الجنة لأولد فيها. وأنت كيف أتيت إلى هنا؟
هبة: خرجنا من حي مخيم الوافدين الفلسطيني متجهين إلى مشفى دوما الوطني[2] لأنني كنت في ساعة ولادة، كانت آلام المخاض مؤلمة جداً ورغم ذلك كنت سعيدة لأنني كنت سأضم مولودتي إلى صدري ، وقبل أن نصل إلى مشفى دوما الوطني تعطلت السيارة بفعل قناص وما إن خرجت من السيارة لأزحف ومن حولي زوجي وأخته حتى زخ الرصاص علينا، كنت قريبة من المشفى، كنت قريبة من لحظة الولادة، ولكن الملائكة قالت لي إن الولادة هنا أرحم وأسلم…
فاطمة وقد استبشرت بما ترى: انظري ، انظري، لقد أتت الملائكة..
هبة وقد صارت ضحكتها أوسع من أوراق الشجرة التي يستظلون في فيئها: أشعر أنني أولد…
فاطمة: لقد ولدت… يا ولدي ما أجمل ضحكتك… أولادنا تولد وهي تضحك….
هبة: طفلتي تضحك أيضاً…
فاطمة ورغم سعادتها: أليس غريباً أن يضحك مواليدنا لحظة الولادة؟
هبة: ماما قالت لي أنني أتيت إلى الدنية وأنا أبكي وهكذا كنت أرى المواليد يبكون لحظة الولادة..
فاطمة: لقد صدقتنا الملائكة ، الولادة في الجنة أرحم..
وخرجت المواليد لتفيض في سماء الجنة سلاماً وأماناً وكما انتشر ظلم الإنسان في الأرض، انتشر عفو الله في الجنة

 

المصدر: المندسة السورية

JoomShaper