بقلم سيرين بكر
تذوق مرارة فقد الأحبة والأهل …شاهد منزله الصغير تهدمه قذائف الغدر…سلبته رصاصات الجنود أعز أصدقائه ..كلمات تلخص حياة الطفل السوري الذي مازال يعاني من ممارسات نظام الأسد خلال سنة ونيف عاش خلالها كل صور المعاناة والشقاء والتهجير .شاهدت بعض الأطفال يلعبون لعبة الحرب بين جنود الأسد والجيش الحر ، يستخدمون الباذنجان قنابل يدوية والبامية ذخيرة ، يستخدمون القذائف لوضع علامات مرمى للعب بكرة القدم، والشظايا يجعلونها كنوزاً لهم في علب مدفونة .وقفت أمام هذا المشهد طويلاً ، فابتسمت جارتنا أم محمد قائلة : أحفادي لم يعودوا يخافون من صوت القصف والرصاص ، ويتعاملون مع شظايا القذائف كألعاب ، وأضافت متنهدة : لكنهم يستيقظون ليلاً وهم يبكون ، لا يفترض بأي طفل أن يرى ما يرونه ، لقد شاهدوا الكثير.
أما ابنها حسين ( 23 عاماً)فأردف وهو يتلفت بحذر : “ابن أخي في السابعة لكنه يتصرف كراشد ” ، ولأن حسين مطارد فهو يرسل ابن أخيه لمراقبة الشارع للتثبت من عدم وجود عناصر جيش أو أمن على مقربة ، ويقول : “أنا حزين لرؤيته يخسر طفولته “.
انتقلت إلى بلودان ( منطقة نزوح أهالي الزبداني ) حيث التقيت هناك بـ (دعاء ذات العشرة أعوام) .. تقول الفتاة : “سمعنا جلبة وعرفنا أن الجيش قد دخل حينا ، رأيت الجنود يطلقون النار على الناس وعرفت أن الوضع سيء” ، اختنق صوتها وقالت بغضب : ” يقتلون الكبار والصغار ، من في العالم يقتل طفلاً؟!!!!”.
أما (صفا) وهي الشقيقة الكبرى هادئة الطبع لا يتجاوز عمرها 12 عاماً فقالت : ” أحلم بحياة كريمة كأي طفل في العالم بصخبها وعفويتها بدون خوف أو قلق ” .
وتقول أم خالد : ” ابني شاهد والده يموت أمامه برصاص قناص ، ويرتعد في كل مرة يرى فيها شخصاً على السطح ” .
يضيف ( تيم) وهو طفل في التاسعة : “رأيت الجنود يحاصرون منزلنا ويقفزون عن سور البيت ، يحطمون الأبواب ، ويتلفون مقتنياتنا ، فأصبح هذا كابوسي الليلي ” . أما صديقه( معن ) فأضاف : ” خفت كثيراً عندما بدأوا بضرب أخي الأكبر ضرباً مبرحاً ، رأيت الدماء تغطيه ولن أنسى هذا المنظر ما حييت ” .
لفتتني بعض الرسوم خلفهم ، تظهر دبابات وجنود يطلقون النار على المنازل ، ورجل ميت يرقد في بركة الدماء على أحد الأرصفة ، وصورة أخرى لأب وأم في الأكفان وجراحهم مرسومة بعناية بالحبر الأحمر . تأملها (كريم 14 عاماً) قائلاً : ” أصيب صديقي بجراح أثناء القصف ، المشفى الحكومي رفض علاجه ، استقبله المشفى الميداني لكن في غضون أيام استشهد ” ، وأجهش بالبكاء .
ختمنا تحقيقنا مع (هناء) وهي مرشدة نفسية ، تقول أنها استطاعت ملاحظة دلائل معاناة الأطفال ، ” حتى أصغر الأطفال يمكنهم التعرف على الأسلحة ” قالتها بأسى ، كما أن معظم الأطفال الذين تعرضوا للعنف يعانون من الكوابيس الليلية والتبول اللاإرادي إضافة إلى مشاكل عصبية أخرى ومنها قضم الأظافر ، بالإضافة إلى أنهم أصبحوا أكثرعنفاً وأقل طاعة لذويهم ، وتضيف أن الطفل السوري فقد أهم ركنين في حياته الشعور بالأمان بسبب القصف و الشعور بالبهجة بسبب الآلام التي يراها يومياً ، وعندما يرى والده الذي يمثل في نظره القوة والصلابة عاجزاً وغير قادر على توفير الحماية والأمان له فإنه يشعر بحالة من الاغتراب .
وهكذا …. مازال عداد الانتقام من الأطفال دائراً ، فكل مجزرة تلد الأخرى ، لكن المؤكد أن أطفال سوريا الذين ولدوا رجالاً والذين خطوا بأناملهم الحروف اللأولى للثورة ، يخطون الآن بدمائهم بشائر النصر التي لاحت في الأفق ، يروي هؤلاء الأطفال كل يوم حكاية ، لكن في أسوأ الظروف ينجح هؤلاء الأطفال في الإبقاء على الامل …
أطفال سوريا قلوب صغيرة .. طفولة غائبة
- التفاصيل