(الجزيرة نت)
محمد النجار - الحدود السورية التركية
بدت الطفلة السورية فاطمة محلقة وهي تتحدث عن حلمها بأن تصبح يوما "أستاذة فن"، رغم أن القتال الدائر في وطنها عطل إكمالها الصف الخامس، وقد بدأ العام الدراسي الجديد دون أن تلتحق بالصف السادس، في حين نعى العديد من الأطفال مدارسهم التي قالوا إنها أصبحت ركاما بفعل قصف قوات النظام.
في مكان تابع للمخيم الذي أقيم في معبر باب السلامة الحدودي الذي يسيطر عليه الجيش السوري الحر والفاصل بين ريف حلب والحدود التركية تحدثت فاطمة مع عدد من الأطفال السوريين عن فقدانهم عاما دراسيا آخر.
قالت فاطمة للجزيرة نت "كنت أنتظر أن التحق بالصف السادس لأكبر وأصبح معلمة فن، لكن جاء العام الجديد بعد أن غادرنا مارع (إحدى بلدات ريف حلب)".
فاطمة (يمين) تحلم بأن تصبح أستاذة فن (الجزيرة نت)
براءة
وتابعت "يمكن السنة راحت علي مثل كل الأطفال"، وببراءة الطفلة دعت فاطمة الله أن يخلص سوريا من النظام "حتى نعود لمدارسنا"، وترجمت انخراطها بالسياسة برفع شارة النصر عندما أردنا تصويرها مع صديقاتها.

في منطقة الحدود ينتشر الأطفال بشكل يجعل الزائر يعتقد أن المخيم مخصص لهم فقط، يجدهم الزائر يلهون أو يحملون أمتعة عائلاتهم، أو يقومون ببعض الأعمال البسيطة ومنها بيع بضائع خفيفة، واللافت أنك تجدهم يتذكرون مدارسهم التي صارت بالنسبة لهم مجرد ذكريات.

وقال الطفل حسين للجزيرة نت إنه فقد والده قبل 15 يوما فقط عندما قصفت طائرة حربية مخبزا في منطقة مارع فقضى في القصف، حيث كان والده سائقا ينقل الدقيق للمخبز، ومن وقتها يقول إنه انتقل مع والدته وإخوته للجوء في معبر باب السلامة.

لا يخفي حسين حنينه إلى والده، تماما كما يتذكر مدرسة "صبحي المصري" التي قال إنه اشتاق إليها لإكمال الصف السابع فيها، ويتمنى أن لا يهدمها القصف كما حدث لكثير من مدارس ريف حلب.

التشاؤم كان واضحا أيضا في أجوبة الطفل محمد رسول القادم من مارع والذي تحدث بحسرة بدت غريبة لطفل في سنه عن هدم مدرسته "الريفية" بفعل القصف.

قال محمد عندما سألناه هل يتوق للعودة لإكمال الصف السابع "راحت علينا.. العام الماضي ما كملنا السادس والسنة راح علينا السابع نسيت دروسي".

وأثناء التجوال قابلنا أبا صالح الذي فقد ثلاثة من أبنائه مدارسهم وأهمهم بالنسبة له علي الذي قال إنه يجب أن يلتحق بالصف الأول.

قال أبو صالح "ابني علي لن يعرف الأحرف ولا القراءة ولا الكتابة، الشعب السوري كله وخاصة الأطفال يدفعون ثمن صمت العالم على نظامنا الذي لا يقتلنا فقط بل يعمل على تجهيل أجيال كاملة".

كان أبو صالح غاضبا وهو يتحدث عن الأطفال الذين قال إن عاما دراسيا جديدا راح عليهم نتيجة استمرار القصف وهدم غالبية مدارس ريف حلب، وطالب بتوفير مدارس بالمخيمات حتى لا تضيع أجيال بأكملها.
الطفل محمد رسول (يسار) كان متشائما بالنسبة للمستقبل (الجزيرة نت)

اللافت في حديث الأطفال هو أنهم بدلا من حفظ الدروس والأناشيد وتعلم المعارف أصبحوا يشرحون للوافدين الجدد على المخيمات أنواع الأسلحة التي تقلقهم.

أنواع الأسلحة
يفصل أسامة (11 عاما) القادم من إعزاز في أنواع الطائرات وخطرها، ويقول إن "الميغ" تهدم صواريخها البيوت والعمارات على رؤوس أصحابها، أما الهيليكبتر فتقذف الرصاص من رشاشاتها الثقيلة.

يحتفظ الأطفال بالرصاص الفارغ، وتدهش من يستمع إليهم "خبرتهم" في أنواعه من رصاص الكلاشينكوف ومضاد الطائرات، وهي أدبيات أصبحت جزءا من حياة يومية أدبياتها اللجوء والحرب والقصف وسماع أسماء "الشهداء" الجدد.

حدثنا الطفل محمد علي عن مشهد الناس وهم يهربون من خيمهم بعيدا عن المعبر عندما اقتربت طائرة ميغ من باب السلامة الجمعة الماضية قبل أن تغادر، وبدا مصرا على اصطحابنا لأطراف بلدة إعزاز حتى نرى مكان قصف بيت هناك الخميس الماضي قتلت فيه عائلة لم ينجو سوى أحد أبنائها، لكننا اعتذرنا له لأن موعد المغادرة قد حان.

كان مقلقا مشهد أطفال صغار يدخنون السجائر في منطقة باب السلامة، لكن أحد الآباء اعتبر أن الظاهرة تعبير عن فراغ فرض على هؤلاء الأطفال، وبدا الأب مطمئنا بأن هؤلاء لن يجدوا طريقا للانحراف "لأن كل الطرق موصدة إلا طريق اللجوء حتى الآن". 

JoomShaper