عبير درويش | سوريّة
كل مساء كنت أحاول عبثًا أن أنام دون كوابيس, ذلك أنني ألهث جاهدةً لاستحضار الأمل ولم أتمكن يومًا من استقباله!
تحديدًا وفي ذلك اليوم الذي لا يغادر الذاكرة القريبة فاجأني الحلم وأتى دون استباق… بجرأة التغيير!
كان أحمقُ المدينة يسكن القصر الملكي بكل عناد، لم يكن يرغب حتى بالتجوّل خارج سياجه, ربما لأنه بحسه الخبيث يُدرك كم من الحقد يسكن وراء السور العظيم.
كان يستقبل ضيوفه الماكرين كل عام دون أن ندري نحن البسطاء كم من الأحداث الهامة كانت تدور في أحاديثهم وزياراتهم الدائمة، والأذكياء منا كانوا يشتمون رائحة المصير القادم دون أن يتمكنوا من البوح بمعرفتهم المسبقة لما سيحدث.
من حقنا فقط أن نكون بائعين جوّالين في مدينتنا، أن نكون مشاريع فقر لا تنظر إلى موائد الطعام الممتلئة.
لم يكن في مدينتنا مدارس لتعليم الأحلام بل كنا ندرس في مدرسةٍ وحيدة لا سبيل لغيرها في المدينة وكنا كلّ صباح نصرخ بأعلى حناجرنا فليحيا الملك.. فليحيا المبجّل.. فليحيا أمل مدينتنا!
أستاذ المدينة كان قاسيًا وجافًا كأخشاب الصيف، وكان من المتعب لنا أن نفكر بتغييره، لم يكن آباؤنا سوى تلامذةً في نفس الأمكنة فكيف لنا بجرأة التغيير!
في مدينتنا كان هناك دجّالٌ ينقلُ الأخبار ويجعلها كالفقاعة أحيانًا حتى يُدهشك بالتفاصيل، وفي مراتٍ كثيرة يكوّن منها فزاعة تشبه فزاعة العصافير, فتخاف أن تغوص في الحكاية وتبتعد عنها بأدبٍ شديد!
لم أرَ منذ نشأتي في المدينة طريقًا آخر لمنزلنا سوى طريق الالتصاق بالجدران, وكان كلُّ أهل المدينة يسيرون إلى بيوتهم بذات الدرب، لم يكن فيها أضواءٌ كثيرة, وبالكاد تتمكن أن تتحسّس الأشياء وتمشي في أزقتها تحت ضوء القمر.
عندما كان يتزوّج أحد شبابها, فهو حتمًا قد تجاوز المستحيل، وعندما يموت أحد كهولها فقد استطاع العبور من الموت إلى الحياة بتناقضٍ غريب!
في ذلك اليوم كان الحلم واضحًا وقادمًا من وراء الشمس..
تناقلته ألسنة أهل المدينة بدهشة وخوف, ومع انتقاله التدريجي من بيتٍ إلى آخر, مات المستحيل في قلوب الجميع, وانتشرت نسائم الحرية، لم يكن الحلم سهلًا بل احتاج منا الكثير من الثمن.. لكننا أصبحنا نتعلم كيف يكون الحلم واستيقظنا من الكوابيس بكل قوة.
وصل الخبر إلى القصر الملكي, فأصاب الملك الذهول, ثمَّ تحوَّل ذهوله إلى غضب, وهكذا توالت الأيام ونحن نحلم ونحلم وساكن القصر لا يستطيع أن يصدّق أننا قد استيقظنا..
يمر عام وآخر, ولا يستطيع أن يصدّق أننا أصبحنا هنا فوق وسادته, وأنه سيعيش كوابيسنا التي سكنتنا لأعوام!
يقظة فكر
انهيار القصر الملكي!
- التفاصيل