الثورة السورية
عائشة فتاة تعمل كموظفة بعقد مؤقت منذ سنوات تتصرف بمالها بالمزيد من التقنين والإدارة، لتحقق نوعا من الاكتفاء فلا تحتاج مد اليد لأحد، تحسبا ليوم ربما يصرفونها فيه من العمل، بذريعة أن لا ميزانية في الوزارة للعاملين المؤقتين، تسكن في البيت مع والدها المسن، بعدما تزوج كل إخوتها وغادروا منزل الأسرة.
تجمع حولها كل نساء الحي، تزورهن ويزرنها، تتفقد أحوالهن، تواسي وتهنئ وتجامل، منتظرة اليوم الذي يصدر فيه قرار تثبيتها في عملها لتشعر ببعض الأمان.
اشتعلت الثورة وعم لهيبها كل المدن والقرى والمزارع في سوريا، توقفت عائشة متأملة الوضع الجديد، بنظرة فاحصة تسبر الواقع على ضوء ما علمت من تاريخ منطقتها وبلدها، المنطقة هنا جبلية وعرة، بعيدة عن مرمى النيران، قد تكون ملاذا آمنا لمن يطلب الأمان، لكن من يطلب الأمان يطلب معه الزاد، توقفت عن الإنفاق وراحت تشتري أنواع المؤن وتخزنها في مطبخها وغرفة نومها، في السقيفة والثلاجة، وفي العنابر القديمة انتظارا للمجهول الآتي.
وجاء المجهول، امتدت النيران وتمددت، وصلت إلى القرى المجاورة، مما اضطر السكان هناك للنزوح، فتحت عائشة باب بيتها على مصراعيه لتستقبل أم حسان وأطفالها الخمسة، أم شادي وزوجها وولديها وزوجة ابنها، أم عدنان وابنتيها، اكتظ البيت بساكنيه والكل قادم يطلب الأمان، لا يحمل في رحلته تلك سوى ما يرتدي من الثياب.
كل البيوت ضاقت بمن فيها، ونفدت المؤن، إذ توقف المخبز الآلي الكبير عن العمل بأمر الجيش، فتحت عائشة عنابر المؤن وراحت تطبخ وتوزع الطعام على الأسر النازحة في بيتها وبيوت الجيران، وعلى المقاتلين في الحراج والجبال وعلى التخوم.
حين اشتد القصف، وحوصرت البلدة من كل جانب، اضطرت عائشة للنزوح من النازحين، لجأت إلى بيوت غير بيتها، أكلت من مؤن غير مؤونتها، وتركت ما خزنته ليتغذى عليه من تبقى في القرية من العجائز، وفي الجبال من المقاتلين.
فتاة من الثورة السورية.. فتحت بيتها للعجائز والنازحين
- التفاصيل