د. أحمد فاضل
أطفال وفتيان لكنهم في عقولهم ونفوسهم وهممهم رجال..وهكذا أرض الشآم تُنبت ببركتها أطفالاً رجالاً..فاعجب أيما عجب لأطفال رجال..ينتظمهم قوله تعالى(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).
وهذا معنى من المعاني التي تحتملها الأحاديث في بركة الشام,إذ الأمر أعم من أن يُحصر بالمكان نفسه بل هو عام بالمكان والمكين وهذا الفهم مغاير لما يرغو به ويُزبد بين حين وآخر بعض حراشف النظام من فهم سقيم لهذه البركة,يؤول إلى مهانة وذل مشين,لا يرضى به الرسول الأمين...!
أرأيتم إلى الأطفال الذين تنافسوا وبكوا بين يدي رسول الله ليجيزهم حتى يقاتلوا في بدر وأحد..معاذ ومعوذ ورافع بن خديج وسمرة بن جندب وغيرهم ..

ينطلق معاذ ومعوذ فتيان حديثا السن نحو عبد الرحمن بن عوف فيقولان له:يا عم أرنا أبا جهل,فقال:لم؟ قالا أُخبرنا أنه كان يسب رسول الله! ثم قال كل واحد منهما:والذي نفسي لئن رأيته لا يفارق سواده سوادي حتى يموت الأعجل منا! فقال لهما:ألا تريان!هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقر فابتدراه وضرباه حتى قتلاه..ثم قُتل معوذ..!  

لقد أُكرم بعضهم بالشهادة في أول معارك الإسلام ليكونوا أسوة رائعة وضياء هادياً لأطفال الإسلام وفتيانه من بعدهم..لذلك لم تخل معارك الإسلام من أطفال وفتيان يخوضونها ليُكرموا بالشهادة في سبيل الله حتى لا تنقطع هذه الخصلة الربانية في الأمة المحمدية...

هذه الخصلة بدت ظاهرة في ثورة الإيمان والحق,فالأطفال الذين قُتلوا فيها صاروا آلافاً وهو العدد الذي يفخر الصهاينة به في المحافل الدولية,وعلى رؤوس الأشهاد فيقولون:نحن_الأعداء من حيث الظاهر!_لم نقتل كما قتل هؤلاء من بني جلدتهم وأطفالهم ..!وصدق اليهود في هذه وهم الكاذبون..!

_من هؤلاء الأطفال الشهداء حمزة الخطيب,وثامر الشرعي..ولكن أترون كيف استشهدا وما قصة استشهادهما؟

كان حمزة مع صديقه ثامر الشرعي وهما من الجيزة في محافظة درعا في طريقهما مع آلاف من الناس انطلقوا مجردين من أي سلاح يحملون الخبز والحليب وما يحتاجه الناس المحاصرون في درعا وخاصة الأطفال والرضع منهم...

هم فرحون بنصرة إخوانهم وعندما وصلوا إلى جسر صيدا في جمعة(فك الحصار عن درعا) أُمطِرَ السائرون بوابل من الرصاص فقتل منهم المئات واعتقل كثيرون ومنهم حمزة وثامر الصديقان من الجيزة..
كان عمر حمزة لا يزيد على ثلاثة عشر عاماً وعمر ثامر لا يُنيف على خمسة عشر عاماً..ولم يمض طويل وقت حتى أخرج حمزة من السجن لكن أخرج شهيداً معذباً قد شُوهت جثته وقُطعت بعض أطرافه..وتسلمه أهله ونظروا إلى حمزة فإذا هو كأنه غيره..لقد ذهبت الملامح من أثر التنكيل الوحشي وعُرض ذلك المشهد المروع على الفضائيات ثم صدر بيان من النظام بتشكيل لجنة من الحثالات التي عنده للتحقيق في استشهاده وكان ذلك على لسان وزير الداخلية المجرم المعروف..وإلى اليوم وبعد أكثر من سنة ونصف لم يخرج أي قذر أو أي بيان من المحققين في هذه الجريمة..وأنا أطمئن أهله بأنكم لن تسمعوا شيئاً من هؤلاء بل ستنالون حقكم من غيرهم بإذنه تعالى ولن يكون ذلك بعيداً..!!

ومن أعجب ما خرج من فم السافل القذر بسام أبو عبدالله الذي تأنف الخنازير والكلاب أن يُشبه بها وتستظلم_وحُق لها ذلك فهي خير منه بل وأجمل منه هيئة وأرفع منه مكانة_قوله في استشهاد حمزة إن حمزة كان ينوي سبي النساء اللائي يسكن في مساكن الضباط في ذلك المكان..!!

أهكذا هانت عليك دماء الأبرياء والأطفال يا مجهول الأصل والنسب يا من جمعت من السفه والسفالة والسخافة والنجاسة والرجاسة والحقارة والعار والشنار ما لا يُتصور من المثاقيل والأوقار..!
أهذا الطفل الذي كان فرحاً بحمل الحليب لأطفال درعا الجوعى وقد قطع مسافات شاسعة على قدميه الطاهرتين المشرفتين لك و لرأسك ورأس أبيك,كان يعزم على سبي النساء ؟!

وإلى اليوم لم يرد أحد من النظام _على هذا الديوث الذي ما نطق إلا بالعهر الذي يرتع فيه_ ولو بكلمة واحدة أقلها أن يقول:هذا رأيه وحده ونحن لا نرضى به,لأنهم جميعاً من طينة واحدة نجسة خبيثة..

وأخس ما فعلوه في هذا الطفل المجاهد أنه قطعوا عضوه التناسلي قبل قتله ليزيدوا في آلامه وهكذا تفعل الوحوش البشرية الأسدية التي تتبرأ منها الضواري في الجبال والغابات..ولعل الذي حملهم على هذا الفعل ما قيل من أن حمزة بال على صورة إلههم الذي عليه يعكفون..فإن صح ذلك فيكون فعله هذا من أكبر الإرهاصات التي تبشر بهلاكه ورحيله..فمن بال على صورته الأطفال فقد قُضي عليه بأنه إلى أفول وزوال..

وأما ثامر الشرعي صديق حمزة فقد سلم أيضاً إلى أهله جثة هامدة وقد حفروا حفراً في وجهه وجسده وأطفؤوا سكايرهم في أنحاء متفرقة من بدنه الطاهر ليرحل بعد هذا العذاب إلى الله تعالى سعيداً بريئاً كحمزة ولما يبلغ الحلم...هل رأت الإنسانية في تاريخها المديد وحوشاً بشرية تفوق في وحشيتها هؤلاء؟! لا أعتقد ذلك إلا في القرامطة والزط والباطنية أجدادهم وأصولهم...

_ومن هؤلاء الفتيان:الفتى الذي رأى معظم الناس تعذيبه الوحشي في أحد السجون وضربه المبرح ليسجد لصورة ربهم الهالك لا محالة فأبى على رغم العذاب الشديد الذي لا يطيقه الرجال الكبار الأشداء لكن هذا الفتى المؤمن صبر وصابر ولما قهروه على السجود وأدنوا الصورة منه بصق عليها فملأها بصاقاً...!! الله أكبر..أي فتى مؤمن هذا..؟!أي إيمان هذا..؟!أي صبر هذا..؟! أرأيتم إلى هذا الفتى لقد فاق عمار بن ياسر في تحمله الأذى وما أظن أن الذي لقيه سيدنا عمار أشد مما لقيه هذا الغلام..فالمشركون على قسوتهم وغلظتهم كانت لديهم بعض القيم العربية الفطرية..!!

وكان له أن يطيعهم فيما طلبوا منه ولا حرج عليه البتة ولكن الله تعالى ملأ قلبه صبراً ومصابرة لأن فتيان بلاد الشام وأطفالها وشبابها يعدهم الله لأمر جلل في قادمات الأيام قد بشرت به الأحاديث الشريفة..وهذا أيضاً معنى من معاني البركة في أحاديث فضائل الشام لمن عقل وفهم لا لمن غبي وجهل...!

وإني_والله_لأود أن أعرف قبر هذا الفتى الذي انتهى به العناد في الله ولله للشهادة في سبيله,لأود أن أعرف اسمه وقبره لأزوره وأقف أمامه أسأله عن سر صبره وعن الحلاوة الإيمانية التي وجدها في صدره عندما أرادوه على السجود فأبى ثم بصق عليها..!

ما أظن أحداً من أهل الأرض أسعد منه في تلك اللحظات وكأن الله سبحانه وتعالى رفع روحه إلى عليائها وبقي جسده في الأرض فلما أذاقوه العذاب أذاقوا جسداً روحه في السماء..!!                   

وهل تظنون أن هذه التضحيات من هؤلاء الأطفال والفتيان ذهبت أدراج الرياح..لا والله إنها أشعلت أفئدة وألهبت نفوساً وحرّكت جنوداً من السماء والأرض..فما أكثر الذين حملوا رايات الجهاد بعد ما رأوا هؤلاء الأطفال وشاهدوا تعذيبهم..!

وإني لأذكر طفلاً لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات كان يأخذ بيد جده ثم فجأة استوقف جده قائلاً ادخل إلى هنا فأدخله إلى مكان فارغ ثم نادى الطفل بأعلى صوته:الشعب يريد إسقاط النظام..وصار يكرر هذه الشعارات المعروفة..

فأمة هذا شأن أطفالها أمة غالبة لا محالة..أمة أطفالها يبولون أو يبصقون على الطواغيت وصورهم أمة منصورة بلا ريب ولكنها سنة الابتلاء فلا تمكين إلا بعد ابتلاء..حتى الأنبياء ما مُكنوا حتى ابتلاهم الله تعالى بأشد أصناف البلاء..(وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليُمكنَنَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنّهم من خوفهم أمناً...)..


JoomShaper