قصص روتها الثورة
كنت عائدا يوماً بسيارتى من أمريكا داخلا كندا حيث إقامتى وعلى الحدود أعطيت جواز سفري الكندي الى الموظفة ففتحته وبالطبع كان فيه أنني مولود بسوريا …. فقالت : كيف هي سوريا ؟
قلت لها : ليست
بخير ونرجوا الله ان تصبح بخير
منذ متى وأنت تعيش فى كندا؟
أوشكت أن تنتهى السنة العاشرة
متى زرت سوريا؟
منذ ثلاثة أعوام
فنظرت إلي وهي تبتسم وسألتني
من تحب أكثر سوريا أم كندا؟
فنظرت اليها وصمت قليلاً ثم قلت لها: الفرق عندى بين سوريا وكندا كالفرق بين الأم والزوجة....
فالزوجة نختارها ونرغب فيها الجمال ونحبها ونعشقها
ولكني لو تزوجت بأجمل نساء العالم فلن تنسينى أمى
أما الأم فلا نختارها ولكني مِلكُها فحبي لأمي له مذاق آخر
فأنا لا أرتاح إلا في أحضانها ولا أبكي إلا على صدرها ولا أتمنى الموت إلا فى تراب تحت أقدامها
فأغلقت جواز سفري وراحت تنظر إلي بشيء من العجب وقالت : نسمع عن زحامها وضيق العيش فيها فماذا تحب في سوريا ؟
قلت لها : أتقصدين أمي ؟ فابتسمت , وقالت : ولتكن أمك !!
:فقلت
.. أحب فيها طفولتي .. أحب فيها ذكرياتىي ..
.. أحب ضربها لي وأنا صغير تعلمني ..
.. أحب حتى وأنا مريض على صدرها ..
قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة طبيب يعالجني ولكن حنان أحضانها وهي تضم
جسدي الملتهب ولهفة قلبها وأنا أرتعش بين يديها يُشفيني بلا دواء ولا طبيب ……… فراحت تدقق بنظرها فى وجهي وهي تسألني :
؟؟ ١٠ أعوام ومازال الحنين باق فى قلبك لها ؟؟ ومازلت تذكر ذكرياتك فيها
فقلت لها أنا إن نسيت تُذكرني الأماكن والأشياء فهذا الشارع إن سرت فيه يذكرني حين كادت عربة أن تصدمني ووقعت برأسي على هذا الحجر من هذا الرصيف .. وهذا المطعم إن مررت عليه يناديني ويحكى لي كم أكلت فيه مع أصدقائي وكم ضحكنا وكم ملكنا الدنيا فى شبابنا .. وهذه الشجرة يروي لي ظلها كم جلست فيه ساعات وساعات .. حتى بحرها ما أن يراني حتى تجرى أمواجه مسرعة نحوي تسألني .. تطمئن على أحلامي التي كنت أحكيها لها ثم تمسح بمياهها على ظهر قدمي تواسيني . فكم من هموم بُحت بها لها وكم من دمع سقط فيها وراح يضرب الصخر معها. حين أزور سوريا فإن أجمل ما فيها هذا الحوار الصامت بيني وبينها … سيدتى أنا إن نسيت فأمي لا تنسى ..
فمالت قليلاً إلى الأمام على مكتبها وقالت لي :” صف لي سوريا
فقلت هى ليست شقراء جميلة ولكن ترتاحي اذا رأيت وجهها .. وليست العيون بالزرقاء ولكن تطمئني إذا نظرت إليها .. ثيابها بسيطة ولكن تحمل فى ثناياها طيبة ورحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ولكن فى عنقها عقد من سنابل انه قاسيون في قلب بلدي سوريا التي سرقها كل سارق واغتصبها كل مغتصب ولكنها ما زالت تبتسم بل وتسامح .
وضعت جواز سفري على مكتبها ثم وضعت كلتا يديها عليه وقالت لي أنا زرت سوريا منذ ٤ أعوام ولم أرى ما وصفت لي
ذهبت بخيالي بعيداً ثم عدت إليها ونظرت فى عينيها وقلت لها : أنتي زرت سوريا التى تقع فى قلب قارة آسيا على الخريطة أما أنا فأتحدث عن سوريا التى تقع فى أوساط وديان قلبي
فمدت يدها تعطينى جواز سفري وهى تقول :
أراك تقول شعراً فى سوريا وأرجو أن يكون وفائك لكندا مثل وفائك لسوريا ثم ضحكت وقالت أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفاؤك لوالدتك !
فأمسكت بجواز سفري وأشرت إليه قائلاً : أنا بيني وبين كندا وفاء وعهد ولست أنا من لا يوفي بعهده .. واعلمي أن الوفاء بالعهد هذا ما علمتني إياه أمي .. فلمعت عيناها وأشارت بيدها كي أدخل كندا , فقلت لها: لقد هيجتي فى قلبي شجون تحتاج أيام وأيام كي تهدأ .. وأنصرفت…
كيف هي سوريا
- التفاصيل