لينا الطيبي
أتعرفون لماذا تبدو النساء أكثر التصاقا بالثورة!؟
لأنهن يدركن أنها كما أطفالهن تماما.. لم تخرج من بحة الصوت .. ولا من ضربة يد.. ولا من طلقة رصاص.. إنما من أرحامهن.. من ألمهن ووجعهن..
هي حالة ولادة..
ألم ومخاض لن ينسينه في أية لحظة..
ستظل صوره في ذاكراتهن..
ينظرن إلى مولودتهن الثورة.. يعانقنها ويربتن على أكتافها.. يعنفنها.. ويعاودن تصحيحها..
هن النسوة..
الثورة جاءت من دواخلهن..
نطفة..
إكتوت بالداخل منهن..
ثم اضحت طفلة..
….
الثورة والمرأة حكاية طويلة، فصول آسرة بالرغم من آلامها، وعندما تسرد النساء حكايا الثورات تصبح الحكايا من ماء وحياة.. يصير الدم شمسا حمراء..
هن يدركن تماماً آلامهن، يتلمسن الأوجاع، لكنهن في الحكايا يمررن أصابعهن الدافئة على الكلمات، وينتفضن في قلب القص، يتوجعن لكنهن لا يوجعن، ففي قلوبهن طفولات كثيرة تنتبه لمجرى الدمع..
المرأة إن عاشت سماتها، صنعت بطولات، لكنها أبدا لن تبحث عن شارع يكنى بها، ولا عن مسرح يسرد آلامها، هي تنتمي لفكرة الانتماء، وتمنح لانها مجبولة على المنح منذ رحمها حتى أعلى رأسها، هي المانحة التي تريد أن تُعانق العالم كله وتمنحه الطمأنينة، تلك الطمأنينة التي سرقها العالم منها ومن أطفالها، سرقها من رحمها، تعاود تكويرها لتنتجها.. لتلدها.. لتتوحد معها بآلام المخاض..
تٌطلق المرأة شعلة الثورة، لأن في داخلها ثورة، ولأن الثورة مؤنثة كما الحرية في لغتنا، كما الشمس، كما الطمأنينة، تُطلقها لأن نداء الحياة لا يخرج من فمها ولا من قلبها وحده ولا من روحها بل يخرج من أقصاها ومن أعلى ارتعاشتها.. يخرج من رحمها..وينفرط صلاة تجمعها بآلامها..
المرأة تعرف آلام الولادة، تعايشها، وعندما تكتمل صرخاتها تُدرك أن أوان المخاض دق الأبواب.. تكتم صرختها، وتصرخ، تكزُّ بأسنانها على شفتيها وتصرخ.. تكتم صرختها وتحبس نفساً عميقا، نفسا موجوعا إلا من صلاة شفيفة تجتازها وتعبرها تفّتح مسامها وتعانق روحها.. صرخة أخيرة وتشرق من بين فخذيها أسطورة حيّة تطلق بكوتها الأولى وصرختها الأولى..
هي المرأة، تلك التي تغتسل من دمها، وتمسح بيد واهية على جبين طفلها.. تبتسم وتنسى الألم.. وتمنح طفلها بدلال لأب يكنيه باسمه.. ثم تسترجع الضوء لترضعه.. لتقويّه وتعينه على الحياة..
هي المرأة الثورة.. الأم التي ترتعش، الزهرة التي تتفتح في حدائق فتزينها وتمنحها ألوانها.. ألم تؤنث الزهرة والوردة؟
تولد الطفلةُ الأنثى.. تطلق صرختها الأولى وهي تستكشف العالم، ثم يعلمها العالم أن عليها أن تستكين لضعفها بالبكاء، هي حرة في أن تبكي، وهو من المعيب أن يبكي لأنه رجل، هي تطلق دموعها وتنظره.. هو الحر في بيته وخارجه وهي التي تُستحكمُ بالعادات، في داخلها تفور، تتساءل، وإذا سألت ما وجدت سوى اجابة لا تعني شيئا: أنت بنت..
تتعلم الطفلة الثورة مع لبن الأم.. تنقل المرأة الأم لطفلتها الأنثى أحلامها التي لم تستطع أن تحققها، ترضعها لها بحليب سري، ثم تكبر طفلتها وتصبح أنثى.. تنظرها كما تنظر أحلامها التي ما استطاعتها.. تريدها ثورة.. في عالم لا يحب الثورات.. تخاف عليها فتدنيها.. تريدها حرة فتبعدها.. دوامات من انفعالات شتى.. ثوري لا تثوري.. ثوري بل ثوري ثوري..
أتعلمون؟؟
المرأة ثورة ابنة الثورة وجدتها ثورة بنت ثورة..
أتعرفون؟؟ المرأة بوسعها ان تلد عشرات المرات.. شمس ولادتها تشرق مع كل نفس من انفاسها..
أتعرفون.. هي المرأة الثورة.. هي المؤنثة وتأنيثها حرية..
اللوحة للفنانة رندا مداح، وهي تشارك بلوحاتها في محور: بمثابة تحية إلى نساء سورية.
خاص – صفحات سورية
هي المؤنثة وتأنيثها حريّة
- التفاصيل