طارق السيد
"متنا من البرد خافوا الله.." بهذه الصرخة عبر لاجئ سوري في مخيم الزعتري بالأردن، عن حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري هذه الأيام، فقد اجتمع عليهم القصف الوحشي والمجازر والمذابح الإجرامية التي ترتكبها عصابات بشار الأسد، ليضطروا مغادرة بلدانهم ومساكنهم فارين بأطفالهم ونسائهم إلى الدول المجاورة ظنا منهم أنها فرصتهم في الحفاظ على حياة هؤلاء الأطفال، حتى يفاجئوا بواقع يقطر مأساوية، ربما لا تقل عن الأوضاع التي فروا منها، حيث يعيشون في العراء دون سكن أو مأوى، في ظل صقيع وثلوج وأمطار غير مسبوقة، وانخفاض في درجات الحرارة إلى أقل من الصفر، مما يعرض حياة الكثيرين للخطر.
وعلى الرغم من هذه المعاناة التي يعيشها آلاف اللاجئين السوريين، فليس صقيع المناخ والبرد القارس هو ما يفتك بالسوريين في خيام المنافي القسرية التي ألجئوا إليها، لكن الأشد من كل هذا هي حالة التجاهل العربي والإسلامي، وموت الضمير الإنساني العالمي تجاه هذه المعاناة، مما دفع أحد اللاجئين ويدعى "يوسف الحريري" (38 عاما)، الذي فر إلى المخيم من محافظة درعا (جنوب سوريا) قبل نحو أربعة أشهر، إلى القول: "لا أحد يشعر بنا، أو يمد لنا يد العون، نشعر وكأن لا أحد يكترث لحالنا، نحن نادمون على مجيئنا إلى هنا، لو بقينا في منازلنا تحت القصف لكان أفضل لنا من هذه الحال المزرية".
أما عبد المجيد محمد (35 عاما)، وهو من درعا أيضا، فقد أمضى شهرا واحدا فقط في المخيم هو وأبناؤه الأربعة، وهو اليوم ضاق ذرعا ولم يعد يتحمل، وتقدم بطلب إلى السلطات الأردنية لإعادته إلى بلده، ويقول، وهو يرتجف وقد غطى رأسه ببطانية: "الحياة هنا مأساوية، لو نظرت إلى المخيم ليلا سترى الخيام وكأنها نصبت وسط البحر، وضعنا تعيس جدا". مضيفا وقد بدا عليه اليأس: "أريد العودة إلى بلدي سوريا، على الأقل هناك الموت، إن أتى، فهو سريع دون أن تشعر بكل هذه المعاناة، أما هنا فالموت بطيء، والنتيجة واحدة لذلك الأفضل لي أن أموت في بيتي وببلدي"(1).
لقد وصل الحال في مخيمات اللاجئين إلى أن أصبح شرب المياه النقية نوع من الترف، مما يضطرهم إلى شرب مياه ملوثة، ما أدى إلى إصابة المئات، خاصة الأطفال بالأمراض والأوبئة، ليجتمع عليهم الثالوث المهلك: الجوع والبرد والمرض.
وتزداد المخاطر وتتعقد الأمور في ظل إعلان المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، في جنيف، هذا الأسبوع، أن عدد اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة وشمال إفريقيا ارتفع بأكثر من 100 ألف لاجئ إضافي، الشهر الماضي، ليتجاوز عددهم الـ 600 ألف لاجئ.
واستناداً إلى المفوضية العليا يوجد 612 ألفاً و134 سورياً مسجلين كلاجئين في الدول المجاورة لسوريا مقابل 509 آلاف و550 في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وقال المتحدث باسم المفوضية أدريان ادواردز للصحافيين في جنيف: “إنها زيادة كبيرة جداً”، وأشار إلى أنه رغم الاحتياطات التي اتخذت لمواجهة فصل الشتاء فإن “الكثير من اللاجئين الموجودين في المخيمات أو خارجها يواجهون الصقيع والرطوبة”، وأوضح أن الأردن يؤوي 176 ألفاً و600 سوري، ويستطيع استقبال حتى 280 ألف لاجئ، وأنه يوجد نحو 200 ألف لاجئ مسجل في لبنان، وأكثر من 153 ألفاً في تركيا و69 ألفاً في العراق، و13 ألفاً في مصر، وأكثر من خمسة آلاف في شمال إفريقيا (2).
السوريون في الداخل أوضاعهم لا تختلف كثيرا عن أوضاع اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، فهم أيضا يعانون من البرد القارس، والتضييق الأمني والقصف المستمر، مع صعوبة تأمين الحاجات الأساسية للمعيشة كالخبز والمياه والأطعمة ومستلزمات الأطفال، وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات الأرضية والخلوية، حتى بات الشعب السوري يطلب فقط إمداده بالطعام والبطاطين ليبقى على قيد الحياة، بعد أن كان يأمل في أن تقف إلى جواره الدول العربية والإسلامية، وتمده بالسلاح لكي يسقط نظام بشار.
وليس معنى هذا، أن هذه الظروف المأساوية تفت في عضد صمود ونضال الشعب السوري، بل العكس فإنها تزيده إصرارا على مواصلة جهاده ضد هذا النظام المجرم، ونسمع كل يوم عن انتصارات وتقدم للمقاومة السورية على الأرض، حتى فقد النظام سيطرته على أجزاء كبيرة من البلاد لصالح الثوار، بخاصة الأرياف.
لقد أوشكت الثورة السورية أن تقارب عامها الثاني، و الشعب السوري صامد ويواجه على جبهات متعددة، فهم يواجهون نظام الأسد المجرم والشتاء القارس وضياع النخوة العربية والإسلامية التي انتفضت في البداية لنصرتهم ثم لم تلبث وأن فترت، ويواجهون أيضا موت الضمير العالمي الذي يريد إطالة أمد هذه الحرب من أجل تدمير سوريا لحساب الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من ذلك تزداد الثورة اشتعالا وتوهجا كل يوم.
نعم لقد سقط الآلاف من السوريين شهداء، وتشرد مئات الآلاف وتضرر الملايين، لكن الشعب السوري الأبي ربح في المقابل حريته وكرامته وثورة ملهمة للجيل الحالي والأجيال القادمة، ونحن على يقين أن هذه الثورة ستنتصر في النهاية بإذن الله، وقد لاحت تباشير هذا النصر في الأفق .. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"سورة الأعراف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات (الهوامش):
(1) العربية نت - 10 -1- 2013م.
(2) وكالة فرنس برس (أ .ف. ب)- 12 – 1- 2013م.
مأساة الشعب السوري .. وموت الضمير العالمي!!!
- التفاصيل