تتمنى شريفة أن تتمكن من استعادة قدرتها على المشي مجدداً، بعد أن فقدت قدمها في غارة شنتها طائرات نظام الرئيس بشار الأسد على منزلها، والآن ترقد في مخيم كغيرها من اللاجئين السوريين بالقرب من الحدود التركية.
لكن قسوة الحياة لم تفقد شريفة عزيمتها، إذ تقوم بتدريس الأطفال في المسجد التابع للمخيم، وتتمنى بالاستمرار في مهنة التدريس عندما تعود إلى قريتها في المستقبل، لكنها لا تتمكن من المشي لحاجتها إلى عكاز تستعين به، لتواصل العيش بها في ما تبقى من حياتها.
شريفة هي واحدة من اللاجئين الذين يعانون من الحالة التي أسمتها لجنة الإغاثة الدولية بـ”الكارثة الإنسانية الإقليمية”، وهي حالة الشتات التي يعيشها الكثيرون على وقع الحرب الأهلية التي تعصف بسوريا منذ قرابة العامين.
وأصدرت اللجنة الإغاثية، وهي واحدة من الهيئات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، تقريراً الاثنين، أكدت فيه أن هذه الحرب خلفت أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري، تمكن حوالي 600 ألف منهم من الهرب إلى البلدان المجاورة، مثل الأردن، وتركيا، والعراق، ولبنان.
ويمثل هذا الوضع تكراراً لحالة اللاجئين العراقيين خلال الحرب التي واجهوها العقد الماضي، كما تماثلها الظروف التي هجر خلالها الفلسطينيون في الأربعينات عند تأسيس دولة إسرائيل، وتقول لجنة الإغاثة الدولية “الآن يواجه الشرق الأوسط مأساة لجوء جديدة.”
وأجرى فريق اللجنة مقابلات مع العديد من اللاجئين للتعرف على الظروف التي مروا بها، والتي تنوعت بين القتل، والهجمات، والاعتقالات التعسفية، وعمليات الاختطاف، والتعذيب، والاغتصاب، والعنف الجنسي، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وانعدام الرعاية الصحية والغذاء والماء والكهرباء، وتوقف المدارس.
وسقط أكثر من 60 ألف شهيد خلال الثورة في سوريا، منذ أن بدأ نظام الأسد بشن حملة قمع واسعة لسحق الاحتجاجات السلمية التي انطلقت قبل عامين لتنادي بإسقاطه، لتأخذ المواجهة أبعاداً طائفية فيما بعد، حيث أن غالبية قادة المعارضة من المسلمين السُنة، بينما تسيطر الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد، على الحكومة في سوريا.
وفي محاولة للهرب من جحيم الحرب الأهلية، التي لا تبدو نهاية وشيكة لها في الأفق القريب، توجه الآلاف من أهالي حماة وحمص إلى لبنان، بينما ذهب سكان درعا الأردن، فيما سعى أهالي حلب وإدلب إلى إيجاد ملاذ لهم في تركيا، في الوقت الذي فضل فيه سكان المناطق الكردية اللجوء إلى العراق.
ويعيش العديد من اللاجئين في المخيمات، لكن معظمهم يحتمي في القرى والضواحي البعيدة، إذ يعيش بعضهم مع عائلات قامت باستضافتهم، بينما تعيش مجموعات صغيرة في أي مساحة فارغة، يمكنها أن تشكل ملجأ لهم.
وتقول إحدى اللاجئات من درعا بعمر 60 عاماً، من الذين قابلتهم لجنة الإغاثة في مخيم الأردن، إنه “كلما أمطرت نعيش في بركة من الوحل”، إذ تتشارك غرفة برفقة سبعة آخرين، والسقف تسيل منه مياه الأمطار، وأرضيتها موحلة.
وأوضح تقرير اللجنة أن “الاغتصاب هو السبب الرئيسي لرحيل اللاجئين من المخيم”، بالإضافة “إلى نقص الرعاية الصحية والخدمات”، ويعاني اللاجئون في المخيمات “ظروفاً غير آمنة، ومستويات مرتفعة من العنف المحلي، في الوقت الذي تزداد فيه التقارير عن حالات إجبار الفتيات على الزواج المبكر.”
وفي تركيا يقوم الأطفال السوريون بعمر الثمانية أعوام بالرسم كغيرهم من الأطفال بأعمارهم، لكن طبيعة رسومهم تحوي تجربة مريعة، مشاهد عن القنابل والتفجيرات المصاحبة للرعب تملأ رسوماتهم.
ويشير مندوب لجنة الإغاثة في الأردن إلى أن “المدارس المستضيفة للأطفال من اللاجئين السوريين، لا تمتلك المؤهلات الكافية للتعامل مع الأطفال الذين واجهوا حالات صدمة شديدة”، بالإضافة إلى أن العديد من هؤلاء الأطفال “أظهروا سلوكاً عدوانياً عنيفاً”، كما أن العديد منهم “توقفوا عن تناول الطعام أو التحدث أو النوم.”
ودعا تقرير لجنة الإغاثة الدولية المجتمع الدولي إلى مواجهة ما يمكن أن يكون أسوأ من هذا الحال، حتى في حالة زوال نظام الأسد، و”مهما كانت نتيجة الصراع السياسي القائم.”
أحد اللاجئين السوريين في لبنان أشار إلى أنه أمضى وعائلته عاماً كاملاً في حظيرة للأغنام، والآن ومع برد الشتاء والثلوج يقول: “قلبي يعتصر ألماً، أشعر بالكآبة، ليس من العدل أن نعيش هكذا”، وأضاف: “هل هنالك حياة أسوأ من هذه؟”
وفي المخيم القريب من الحدود التركية لا يزال عبد القادر حسن يواجه موت ابنته الصغيرة من البرد، إذ استيقظ في أحد الأيام ليجد ابنته متكورة حول نفسها من شدة البرد.
ووسط كل هذه الأوضاع المأساوية، تظل شريفة متمسكة بما تبقى لها من أمل، وتقول إن “الأوضاع صعبة، وليس بمقدور أحد أن يعيش في هذه الظروف”، وتضيف “لا أريد أن ألعب مجدداً، فقط أتمنى لو أنني أستعيد قدرتي على المشي.”
شريفة ليست وحدها من “يعرج” من آثار الحرب، لكنها وغيرها من اللاجئين “سيعرجون” لموطنهم من أجل إعادة بناءه من جديد.
سوريا.. لاجئون يتمسكون بالأمل وسط مأساة كارثية
- التفاصيل