مشكلة جديدة تتعلق بملف النزوح من سوريا: أطفال محرومون من حقهم بالهوية!
- التفاصيل
مارسيل عيراني - خاص النشرة
من يحفظ كرامة الإنسان ومن يعطيه إسماً وهوية؟! أطفال اللاجئين السوريين يولدون اليوم في لبنان وسط عدم إمكانية تسجيلهم ويبقون دون أوراق ثبوتية... حتى متى؟ حتى انتهاء الأزمة السورية أو إنجلاء الوضع الأمني هناك!
مشكلة إجتماعية جديدة إذاً تضاف اليوم على المشكلة الإنسانية الكبيرة التي يعاني منها كل من لبنان واللاجئين من سوريا، الأمر الذي دفع بالمنظمات الدولية إلى التحرك لتلافي مشكلة عدم إمكانية تسجيل أطفالهم في وقت لاحق في سوريا "لكي لا نجبر على الترقيع وما دمنا في بداية المشكلة"، وفق ما تؤكد لـ"النشرة" المسؤولة الإعلامية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان دانا سليمان.
"اعط طفلك إسماً"
يكمن هذا التحرك بتحديد الخطوات التي يجب اتخاذها لكي لا يصبح الولد دون هوية في وقت لاحق، وتأتي في إطار حملة "اعط طفلك إسماً". وتسعى هذه الحملة اليوم إلى توعية اللاجئين على ضرورة تسجيل الأطفال في لبنان، لأن ذلك، ورغم أنه لا يمنحهم الجنسية اللبنانية فإنه عندما يحين الوقت للعودة إلى سوريا، سيساعدهم لكي يتسجلوا في سوريا ويثبتوا جنسيتهم السورية ويستحصلوا على أوراق ثبوتية سورية، وإلا فعليهم أن يدخلوا في الإطار القضائي وفي المحاكمات.
ويكمن كل ذلك بتسجيل الولادة وهي عملية رسمية تتم على الشكل التالي:
أولاً، الحصول على وثيقة تبليغ عن الولادة من المستشفى حيث تمت ولادة الطفل أو من القابلة القانونية التي أجرت الولادة.
ثانياً، الحصول على وثيقة ولادة رسمية من قبل أحد المخاتير اللبنانيين المحليين.
ثالثاً، تسجيل وثيقة الولادة لدى دائرة الأحوال الشخصية في المحافظة حيث تمت الولادة. وكل ذلك في غضون سنة واحدة من تاريخ الولادة، لأنه بعد ذلك لا يمكن التسجيل إلا من خلال إجراءات قضائية أمام المحاكم، وفق ما تؤكد حملة مفوضية الأمم المتحدة.
حالات الولادات في المناطق ترتفع
وفي الواقع، فإن النازح لا يضع دائماً في أولوياته تسجيل طفله المولود حديثاً بسبب تراكم الهموم أو لعدم معرفته بالأمور الإدارية التي يجدر به القيام بها. فمن دون وثيقة الولادة لن يمتلك الطفل أي دليل أو إثبات على إسمه أو علاقته بوالديه أو تاريخ ومحل ولادته.
وتكشف سليمان في هذا الإطار عن وجود "أكثر من 500 طفل ولدوا في لبنان من بين اللاجئين"، مرجحة ارتفاع هذه الأعداد مع مرور الزمن. وتشدد على أهمية التوعية "تفادياً للوقوع في مشكلة عديمي الجنسية، وهي مشكلة يعاني منها لبنان الذي يحوي عدداً من فاقدي الأوراق الثبوتية".
معلومات "النشرة" تؤكد أن القادمين من الشام إلى زحلة يعودون اليها لتسجيل الأطفال ومن ثم يدخلون لبنان مجددا، أما الذين أتوا من المناطق المجاورة لحمص، فهم يعانون من صعوبة في التسجيل ويكتفون بورقة المستشفى. وتشير المعلومات إلى أن المواطنين السوريين معفيون اليوم من غرامات التأخر في تسجيل الأطفال بسبب الظروف الراهنة.
أما في سائر القرى البقاعية، فلا أحد من النازحين يتوجه إلى سوريا والكل يحافظ فقط على ورقة المستشفى، وفق المعلومات التي تشير إلى وجود "حالات عديدة من الولادات في لبنان".
وبالنسبة إلى عكار، فالمشكلة هي هي تضاف إليها مشكلة بعض الأهالي الذين لا يملكون بدورهم أوراقا ثبوتية، فيعطى هؤلاء كالأهالي حاملي الأوراق وثيقة ولادة وهي وثيقة رسمية ولكن مؤقتة، ومن خلالها يحصل الأهالي على المساعدات للأطفال الحديثي الولادة، فتدفع المنظمات الدولية 85% من سعر الحليب والأدوية وسائر المستلزمات الأساسية للأطفال، فيما تتحمل العائلات نسبة 15%. وأكدت مصادر في عكار ارتفاع نسب الولادة هذا العام عن العام الماضي، حتى أن الحالات باتت يومية.
الدولة تقول أخيراً: الأمر لي!
وفي ظل هذا الواقع الإجتماعي الصعب، كان لا بدّ للدولة من أن تستفيق من سباتها، وأن تأخذ الأمور على عاتقها وتصرخ أخيرا صرخة سيادية تحت شعار: "الأمر لي"، فشكلت خلية أمنية مركزية برئاسة العميد بيار سالم وبعضوية ممثلين عن الأجهزة الأمنية اللبنانية وعن الوزارات المعنية في ملف اللاجئين والهيئة العليا للإغاثة للحد من الأضرار في هذا الملف كما في سائر الملفات المتعلقة بهم.
ويبدو العميد سالم مصمماً على عدم التراجع في المهمة التي أوكلت إليه، ويكشف في حديث لـ"النشرة" أن هذه الخلية تعمل اليوم على تكوين قاعدة معلومات على مستوى الدولة لضبط مسألة النازحين، وذلك عبر إعطاء كل نازح استمارة سيحصل من خلالها على المساعدات في المستقبل.
ويؤكد في ما يتعلق بتسجيل الأولاد تحديداً، ان هذه المسألة ستحل بالطبع من خلال ضبط الموضوع الإداري لوجودهم في لبنان، وبالتالي فإن هذه الإستمارات هي باب لحل مصاعب عدّة.
ويذكر سالم بوجود "قوانين تضبط عمل الأحوال الشخصية في لبنان لا يمكن تجاوزها. فمن خلال هذا الإحصاء سيصبح للنازح نوع من التبعية الإدارية، وستوزع توجيهات حول مواضيع تخص الأحوال الشخصية مع الإستمارات، وستحدد هذه الآلية وزارة الداخلية بالتنسيق مع الإدارات التي تهتم بهذا الموضوع لنرى ما يمكننا فعله للحفاظ على حقوق هؤلاء الناس.
ولا ينفي الجنرال سالم إمكانية وجود تعقيدات في عودة بعض السوريين بعد أن تنتهي المعارك في سوريا، ولكنه يؤكد أن "لبنان ليس دولة لجوء، ونحن نتعامل مع السوريين اليوم كأشقاء وكرعايا نازحين وليس كلاجئين، ونرفض حتى هذه التسمية لهم، ولكن إذا انتهت الأزمة ورفض البعض العودة لسبب أو لآخر، فهنا يكمن دور مفوضية اللاجئين بتأمين بلد لجوء لهؤلاء".
أما سليمان فتشدد على أن "السوريين يريدون العودة اليوم قبل الغد إلى بلادهم"، وتستبعد بقاءهم في لبنان في حال حسم الأزمة لصالح أو ضد النظام السوري "فالوضع الأمني هو المسبب الوحيد للنزوح وهو السبب الوحيد الذي لا يسمح لهم بالعودة". وتقول: "لا يمكن مقارنة سوريا بأي بلد ثاني فلكل بلد خصوصياته، ونأمل أن تحل الأزمة قريباً لكي يعودوا. ولكن أؤكد أنهم يريدون العودة أكانوا مع المعارضة أو النظام".
وبين العودة واللاعودة، يولد الأطفال اليوم وسط خطر أكبر من الفقر والصعوبات الأمنية والمعيشية. فهم مهددون بأن يكونوا مجردين حتى من حق أساسي لهم: الحق بالهوية!
على أمل أن تكون توصيات وزارة الداخلية لتعبئة الإستمارة حازمة في اتجاه إيجاد حلّ فعلي وسريع يضمن كرامة هؤلاء ويحفظ حقوقهم.