سعود بن محمد بن عبدالعزيز الشويش
الثورة السورية منذ انطلاقتها قبل قرابة العامين والنصف وهي تُلقِّن الأمة دروساً متتالية كل درس يأتي خير من سابقه، ولكنه لا يأتي بلا ثمن فالأثمان التي تدفعها الأمة لتلقِّي هذه الدروس باهظة؛ فهي لم تُدفع بالأموال بل بالدماء والأشلاء.
معركة القصير وتداعياتها أحدثت في وعي الأمة الإسلامية ما لم يستطع إحداثه جموع المفكرين والمثقفين على مدى سنين، وأسقطت من خصومها ما لم تستطع جيوشها إسقاطه على مدى عشرات السنين.
لن نتناول أثر القصير في فضح ما يُسمَّى (حزب الله) ومن يقف خلفه من مجوس إيران وأعوانهم وطموحاتهم في استعادة أمجاد الفرس، فتلك حقيقة لم تعد تقبل النقاش بين العقلاء، المثير في تداعيات القصير وآثارها الحميدة في الأمة انكشاف حقيقة العالم الغربي وتناقضاته الصارخة التي يغلفها بقرارات المنظمات الأممية تحت مسمى (الشرعية الدولية) ويتبع ذلك سقوط آخر أوراق تلك المنظمات الأممية في دعاوى الحرية وحقوق الإنسان والعنف ضد المرأة والأطفال والتراث العالمي وغيرها، والتي استغلت من قبل الغرب استغلالاً بشعاً في تحطيم القيم الإسلامية وتفكيك الأسرة وتأليه الآثار والأوثان ونحوها.
من أعظم الآثار الإيجابية التي تُجيَّر للثورة السورية عموماً، وللقصير على وجه الخصوص استعادة مصطلح (الجهاد) ووضعه في موضعه الصحيح والتصريح به ورفض المصطلح الغربي (الإرهاب) الذي حاولت به أمم الكفر عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص تعطيل أي مشروع لمقاومة المحتلين، والعتق من نير الاستبداد والاستعمار الغربي.
عودة مفردة الجهاد بصورة رسمية للعالم الإسلامي، والدعوة له ورفض مصطلح الإرهاب ضمن مؤسسات معتبرة كما حدث في مؤتمر القاهرة، ومن ثَمّ تبنيه والصدح به، إجهاض للمشروع الغربي الأمريكي الذي أنفق الأموال الطائلة والجهود الجبارة لطمس مفردة الجهاد من قاموس الصراعات العالمية والإقليمية واستبداله بمصطلح الإرهاب.
الغرب يعلم جيداً – بدراسته للتاريخ – أن روح الجهاد إذا تشربتها الأنفس، فلا يمكن لقوة أن تقهرها، وهو يعلم أيضاً أنه لا عودة لأمة الإسلام لسابق عزها ومجدها إلا عبر بوابة الجهاد؛ ولذا فالغرب مرعوب من تداعيات عودة روح الجهاد خصوصاً وهو يرى أن ما بذله من أموال ومجهود حربي وآلة إعلامية ضخمة في سنين لمحاولة طمس وتشويه هذه الروح ذهبت كلها أدراج الرياح، وأن المكاسب التي حققها خلال تلك المدة، وتمكنه من احتلال العراق وتدمير أفغانستان بحجة الإرهاب وكان هدفه الحقيقي وضع حاجز من الدولة الشيعية بين العالم الإسلامي السني وأوروبا وشمال آسيا باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تسقط في يد من حاربهم عبر وكلائه، وأن أمن الدولة اليهودية بل وجودها أصبح على كف عفريت بعد أن باتت روح الجهاد على حدودها التي ظلت آمنة من دول – الممانعة – أكثر من أربعين سنة.
الجهاد ذروة سنام الإسلام ومصدر عزة للمسلمين، ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا ً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود بإسناد حسن، وصححه الألباني، وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلُّوا).
التضحيات التي قدمها السوريون ليست قليلة، ودماء المؤمنين التي سالت على أرض الشام ليست هينة، فدم المسلم أعظم حرمة عند الله تعالى من الكعبة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة فقال: (ما أعظم حرمتك وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ) أخرجه البيهقي وصححه الألباني.
تضحيات السورين ودماؤهم لم تذهب سدى، بل سقت أشجار العزة في بلاد المسلمين وأرواحهم، حتى نمت براعمها وأزهرت أغصانها وتوشك بإذن الله أن تؤتي ثمارها.
سورية.. عودة مصطلح الجهاد وكسر مقصلة الإرهاب
- التفاصيل