د. عامر الهوشان
هذا هو العيد الخامس الذي يمر على  السوريين عموما والأطفال خصوصا , دون أن يعرفوا للعيد معنى من معاني فرحته , أو يلامس شغاف قلوبهم لونا من ألوان بهجته , خامس عيد وصوت المدافع لا يعلو عليه صوت , وأزيز الطائرات لم تهدأ هناك , خامس عيد  وصوت الرصاص أزاح عن السماء أصوات العصافير وضحكات الأطفال ولهوهم ومرحهم العفوي الملائكي البريء .
لم يعد أطفال سوريا يحلمون ليلة العيد بالهدايا والألعاب كما كانوا يحلمون قبل القتل والتدمير والتهجير , لم يعودوا ينتظرون شروق شمس العيد في بلدهم , كأنهم على موعد مع السعادة بكل معانيها وحقائقها كما كانوا من قبل , لم يعودوا يحلمون باللباس الجديد الذي ينتظرهم في الصباح الباكر قبل أن يذهبوا برفقة والديهم إلى صلاة العيد , لم يعودوا ينتظرون اجتماع العائلة في أول أيام العيد على مائدة الإفطار , ولا ينتظرون أرحامهم من أولاد العم والخال بعد أن يأخذوا العيدية , ليطوفوا بها معهم في عالمهم الصغير المتمثل في الحي أو مدينة الألعاب كما كانوا من قبل , لأن معظم هؤلاء الأقارب والأرحام قد أصبحوا في ليلة العيد تحت التراب .
لقد أضحت أحلامهم اليوم لا تعدو النجاة من الموت المحتم , أو لقمة تسد وطأة الجوع الكاسر , أو مكانا آمنا يبعدهم قدر الإمكان عن ذلك الجنون الذي يحصل في بلدهم , بينما غابت وتلاشت تلك الأحلام التي كانت تتراقص في خيالهم , عن المستقبل والنجاح والفرح والسرور .
لم يعد أطفال سوريا ككل أطفال العالم , فقد ملئت ذاكرتهم الصغيرة البريئة بكثير من مشاهد الخوف والرعب , مما ينبغي أن يبتعد عنه أمثالهم , وامتزجت رائحة الدم في أنوفهم برائحة الفل والياسمين , واختلطت في أذهانهم الكثير من المعاني والمعطيات , فلم يعد لشيء يمر بهم قيمة أو معنى , لم يعد لشهر رمضان حين يأتي رونقه وسحره , ولم يعد للعيد حين يقترب بهجته وفرحته , لقد أصيب قاموس معاني الكلمات والمصطلحات عندهم في مقتل , فاختلطت المعاني والعبارات , وأصبحت جميعها تصب في اتجاه الحرب الدائرة هناك .
ومع كل هذه المآسي والألام , ومع كل هذه الأوجاع والأحزان , لا ينبغي للمسلم أن ييأس أو يقنط من فرج الله ورحمته ونصره , فقد علمنا الإسلام أن مع العسر يسرا , وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لن يغلب عسر يسرين , ومن المعلوم أن الأطفال ينظرون إلى أفعال الكبار ويقلدونهم , فإن رأوا منهم جزعا وهلعا ويأسا وقنواطا , قلدوهم وحاكوهم بأقوالهم وأفعالهم , وإن رأوا منهم صبرا واحتسابا  ورجاء وتفاؤلا , قالوا وفعلوا مثل قولهم وفعلهم  .

لا ينبغي أن نري أطفالنا الجزع واليأس , بل لا بد أن نريهم رابطة الجأش وقوة العزيمة وعظيم التوكل على الله , ولا ينبغي أن نلغي من ذهن أطفال سوريا الفرح بليلة العيد والابتهاج بها , بحجة أن الوقت والظرف والمكان والزمان لا يتسعون لأي فرح أو بهجة تدخل إلى القلوب أو النفوس , فالأطفال لا يعرفون شيئا من ذلك الحزن واليأس الذي قد يقع فيه الكبار , خاصة في أوقات الفرح والمرح كليلة العيد وأيامه . 

لا ينبغي أن نترك الطفولة السورية تموت دون أن نقدم لها يد المساعدة , لا أقول المساعدة المادية فحسب - وإن كانت ضرورية – بل والمعنوية النفسية كذلك , فكم من طفل فقد والديه أو أحدهما , وهو بحاجة شديدة في ليلة العيد ليد حانية تمسح على رأسه , وتطيب خاطره , وتعوضه بعضا من حنان الأب الذي افتقده .

كم نحن بحاجة في ليلة العيد لمن يقوم بكفالة أطفال سوريا ورعايتهم , حتى لا تضيع الطفولة السورية في حمأة الصراع الحاصل , وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثواب وأجر كافل اليتيم الذي لا يدانيه ولا يقاربه أجر ولا مثوبه , فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) البخاري برقم/6005

كم نحن بحاجة للدعم النفسي لهؤلاء الأطفال في ليلة العيد , وبث روح الأمل والحب والتآلف في نفوسهم وعقولهم , حتى لا ينشأوا على الكراهية والبغض للمجتمع الذي أهملهم ولم يعتن بهم , وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجانب النفسي للطفل اليتيم في حادثة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤته , حيث واسى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائلة جعفر , وكان له أطفال صغار , كدعم نفسي لهم .
فقد ورد في سيرة ابن هشام أنه لما أصيب جعفر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس – زوجته - فقال : (ائتيني ببني جعفر) فأتت بهم فشمهم وقبلهم وذرفت عيناه ، فقالت أسماء : أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال : (نعم أصيبوا هذا اليوم) ، فجعلت تصيح وتولول ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم ) السيرة النبوية لابن هشام 4/2

نعم لقد ركز الرسول صلى الله عليه وسلم اهتمامه على الجانب النفسي للأطفال , وذلك لعظيم أهميته وخطورته , فالطفل إما أن يكون ذخرا وكنزا استراتيجيا لبلده ومجتمعه والمسلمين , إن اعتني به وأنشأ تنشأة جسدية ونفسية وروحية صحيحة سليمة , وإما أن يكون قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلا أو آجلا في وجه كل من أهمل تلك التربية والتنشأة الصحيحة .

إن العيد الذي يطرق أبوابه على البيوت في هذه الليلة , يذكر رب كل أسرة وعائلة , بأن هناك من بين أطفال المسلمين , من يبيت في تلك الليلة في فراشه - إن كان له فراش - وليس في حضنه لعبة اشتراها له والده , لأن والده قد استشهد أو اعتقل أو اختفى , وليس له هدية أو عيدية , لأن عائلته لا تملك من المال ما تسد به حاجتها من الطعام والشراب , فضلا عن هدايا العيد للأولاد .

تذكر أخي القارئ وأنت تستهل ليلة العيد هؤلاء الأطفال , ولنعمل جميعا على إسعادهم وإدخال فرحة العيد وبهجته لقلوبهم , ولنحاول قدر ما نستطيع أن نجبر كسر قلوبهم , فقد قيل : ما عبد الله بشيء أفضل من جبر القلوب .

JoomShaper