د. محمود نديم نحاس
أي عيد مرَّ على بلاد الشام هذا العام؟ هل أصف العيد في المناطق المنكوبة؟ أم في مخيمات اللاجئين؟ قبل المحنة كان للعيد في بلاد الشام طعم خاص، فبعد رؤية الهلال يتم إعلان دخول العيد بطلقات من المدافع، للمحافظة على الطريقة التراثية قبل انتشار وسائل الاتصال والتواصل وقنوات البث الصوتي والمرئي. لكن أي مدافع يمكن استخدامها اليوم لإعلان العيد؟ إن أصوات المدافع وراجمات الصواريخ تقطع الصمت كل بضع دقائق، إلى درجة أن الناس لم تعد تستطيع النوم إذا كان الليل هادئاً، فقد تعودوا النوم مع ضجيج القذائف، فإن فقدوها طار النوم من أعينهم.
بعض الناس لم يخرجوا لصلاة العيد هذا العام خوفاً من قذيفة طائشة في الشارع أو طلقة قناص جالس فوق المباني العالية، وبعضهم لم يخرج خوفاً من أن تُهدَّم المساجد فوق رؤوسهم وهم يصلّون. فأي مسجد بقي له حرمة عند النظام بعد قذف المسجد الأموي الكبير في حلب ومسجد خالد بن الوليد في حمص وتهديم مئات المساجد الأخرى؟
بعد صلاة العيد كان الناس يذهبون لزيارة المقابر ليتعظوا وليتذكروا أحبابهم الذين غيّبهم الثرى. لكنهم هذا العام تاهت بهم السبل، فأي مقابر يزورون وقد فقدوا أكثر من مائة ألف من ذويهم؟ وأضعاف هذا العدد مفقودون أو مغيبون في السجون، ولا أحد يعرف عنهم شيئاً، هل هم بين الأحياء فيأمل أهلوهم عودتهم؟ أم هم بين الأموات فيترحمون عليهم؟ هل تلبس الأم لباس العيد أم لباس الحزن؟ وهل تقضي الزوجة العدّة عن زوج لم تسمع عن أخباره منذ سنتين ونيّف؟ أم إنه سيعود حاملاً هدايا العيد لها ولأولادها؟ وهل ينتظر الأولاد أباً طالما حمل إليهم الألعاب يوم العيد، أم ينتظرون بعض هيئات الإغاثة التي تستطيع أن تواسي عدداً محدوداً من الأطفال وفي بعض المخيمات؟ وحتى الأب الذي مازال بين أولاده كيف يشتري لهم هدايا العيد والجيوب فارغة والعين بصيرة واليد قصيرة، وحتى لو وُجد المال فإن الأسواق خالية من البضائع، لا أقول الكماليات، بل الأساسيات.
وإذا كان الوضع غير آمن للخروج من البيت، فكيف تكون زيارة الأرحام؟ ثم إن جازف الإنسان وخرج لزيارتهم، فإنه قد يحرجهم، فليس هناك مجال لتقديم القهوة أو حلوى العيد أو الطعام، لقلة ذات اليد، وللحزن المسيطر على النفوس، لاسيما وهم الكرام الأسخياء الذين يؤثرون الضيف بما لديهم، وكانت مساكنهم كمضارب حاتم الطائي، أما اليوم فإنهم لاجئون بأرضهم أو بأراضي الدول المجاورة، جائعون ينتظرون من يقدم لهم أقل القليل من الطعام. ولذا قال الشاعر وهو يبتهل إلى رب العالمين:


وأعدْ إلى الشهباءِ سالفَ عهدِها *** حتى نرى أيامَها أعيادا
ونرى الأحبةَ والسرورُ يحفُّهم *** يترنمون قدودَهم إنشادا
يا ربّ دعوةُ موقنٍ بإجابةٍ *** ربِّ استجب لا تُشمِت الحُسّادا

وأختم بسرد بعض رسائل المعايدة التي وصلت من بعض المهجرين تحكي المأساة. يقول أحدهم: عيدنا مسروق، والفرح مخنوق، والفكر لا يروق. وقال غيره: العيد يأتي ويروح، وعيدنا هذا العام مجروح، فلعل معايدة أحباب القلب ترد الروح. وتقول رسالة أخرى: في كل عام حقائق وأحلام، وحلمي أن أراك يا وطني بخير، فكل عام وأنت بخير، بل أنت الخير يا وطني! وأخرى جاء فيها: قالوا جاء العيد. فقلت: وماذا ينفع العيد وهو مفارق أحبابه؟ العيد لما نرجع للوطن ونبوس ترابه. وآخرها: قالوا: الروح أغلى، فقلت: بلدي أحلى. قالوا: العمر رايح، فقلت: فراق بلدي جارح. قالوا: القلب يحب، فقلت: البعد عن وطني صعب. سألوا: هل هو غير؟ فقلت: وأروع خير! فسألوني: مَن أنت؟ فقلت: أنا من بلد النشامى.

JoomShaper