منتصر أبو نبوت-ريف إدلب
تنعكس صورة الخيمة على سطح مياه مستنقع نشأ بين مجموعة من الخيام بفعل هطول الأمطار، يمثل انعكاسها لقطة جمالية في تلك اللحظة فترة الظهيرة، لكن ما يبدو جمالا بصريا بجانب الخيمة، يتبدد عندما تتوجه عينا أبو إبراهيم إلى خيمته التي يحيطها الوحل من كل جانب، ليس الطين وحده ما يترك أثرا سيئا في حياة عائلته، ولا عدم تأمين الغذاء والدفء في هذا البرد ما يشغل بال أبو إبراهيم، فتلك أمور يعاني منها سكان الخيام بريف إدلب الشمالي، لكن يوجد تحتضن بخيمته ما لا يوجد في خيمة أخرى، ستة أولاد يعانون مرضا في الكبد.


خيمة يدوية
تختلف خيمة أبو إبراهيم قليلا عن بقية الخيام الموجودة في المخيم، إذ صُنعت من بقايا أقمشة وأغطية قديمة، بالإضافة إلى غطاء بلاستيكي حتى يحميها من تسرب الأمطار إلى الداخل، وداخلها تكمن المعاناة التي لا توجد مثلها ربما في باقي الخيام، عائلة من ريف حلب الجنوبي نزحت خمس مرات تحمل ثقلا إضافيا بوجود ستة أولاد لديهم مرض مزمن في الكبد.
يقول أبو إبراهيم في حديث مع الجزيرة نت، إن فصل الشتاء يزيد من سوء حالة أولاده الصحية الذين لا يجدون متابعة طبية دائمة في المخيمات، ويضيف أن مرض أبنائه الذي يظهر جليا على هيئاتهم نشأ منذ الولادة ولم يجد علاجا لهم، فهو يتنقل منذ زمن بين مخيم وآخر لا تقدم النقاط الطبية فيها أكثر من علاج للأمراض غير المزمنة.
سبعة أولاد
يحرك يديه نحو اليمين واليسار بشكل مستمر وببطء شديد، محاولا إيقاف بكاء ابنته الصغيرة، فقد تعالى صوت بكائها من الألم، فبحسب ما صرح والدها فإن الطفلة تعاني من ألم في الكلية بسبب وجود حصى داخلها، رغم عمرها الصغير الذي يبلغ نحو عامين فقط.
يقول أبو إبراهيم إن محاولته إجراء عملية لابنته لتفتيت الحصى حصلت فعلا لكن دون جدوى، لأنها تحتاج إلى عملية من أجل سحبها بأدوات طبية مختلفة غير موجودة في المستشفيات الميدانية القريبة من المخيم، لذلك يسعى إلى الحصول على مسكنات وأدوية متنوعة تقلل من الألم الذي تعاني منه طفلته.
تتراكم تلك الأمراض جميعها في خيمة واحدة مع والدهم الذي يعاني أساسا من انزلاق في فقرات بالعمود الفقري، الأمر الذي يجعل أولوياتهم مختلفة تتخطى حدود حاجتهم إلى المأكل والمشرب والملبس، ليضاف إليها الدواء.
يلتفت الجميع دوما إلى أحوال النازحين من خلال الحديث عن إمكانيتهم تأمين أساسيات العيش، في ظل وجودهم داخل خيمة على أرض سرعان ما تتحول إلى مستنقعات طينية خلال الشتاء، لكن في تلك المخيمات يوجد تفاصيل أخرى دقيقة قد لا يلتفت إليها أحد لكنها مهمة بالنسبة إلى أصحابها، وربما أبرزها مسألة الأمراض المزمنة، مثل السكري والضغط والربو وغيرها، التي تعد مشكلة حقيقة لأصحابها ولا يتمكنون من الحصول على الدواء.
فقد أكد الدكتور أنس فتيح الذي يعمل في وحدة تنسيق الدعم، أن أصحاب الأمراض المزمنة بحاجة إلى أدوية بشكل مستمر، لأنها ليست أمراضا حادة يمكن أن تُغطى بالدواء لمرة واحدة ويشفى بعدها المريض.
كما قال الدكتور فتيح خلال حوار مع الجزيرة نت، إن وجود إحصائيات دقيقة لأصحاب الأمراض المزمنة في المخيمات أمر ليس سهلا في ظل انتشار عدد كبير من المخيمات العشوائية داخل سوريا، وينوه الدكتور أنس إلى أن النقاط الطبية تعجز أحيانا عن تقديم العلاج واستيعاب جميع المخيمات لأنها تنتشر على مساحات واسعة تضم أعدادا كبيرا من النازحين الهاربين من القصف للنجاة بأرواحهم.

JoomShaper