دكتور كميل فرام
المنجزات والتطورات الطبية التي تتوالد على مدار الساعة تهدف في الأساس للشفاء من عدو الإنسان الأول ألا وهو المرض وبالتالي لتخلص كل منا من آلالامه وأوجاعه والتي تختلف في صورها المرضية وتأثيراتها الحياتية، فترسم الابتسامة بدلا من الدمعة والصراخ، ولكن هناك الأمراض التي تسبب نزفا قلبيا وعقليا ونفسيا، وألما ودمعا وصراخا لا يسمع ولا يظهر وقد لا يعطي أية أعراض مرضية، لا يسبب صراخا أو أنينا ولكنه يفتك ويقتل.
ويجلس على قمة هذه الفئة من الأمراض (الحرمان من نعمة الحمل والإنجاب بعد الزواج) وهي مشكلة قديمة جديدة تؤثر على نسبة لا بأس عليها من الأزواج خصوصا في عصرنا السريع المتميز بالتقدم والتطور والذي قد نسطر فصوله للمستقبل تحت عنوان عصر الديجيتال، والعقم بمفهومه العام يعني ببساطة فشل الحمل بعد سنة كاملة من الزواج شريطة أن يعيش الزوجان تحت سقف واحد ويمارسان حياتهما الزوجية بصورة منتظمة ودون الموانع، وواقع الحال بعد تحليل الظروف والأحوال قد يظهر السبب الأساس لعدم حصول الحمل سواء لأمر صحي يتعلق بالمرأة أو الرجل أو كليهما، بل وهناك نسبة قد تبلغ بحدود 5% من الحالات والتي نعجز عن تحديد مانعها ضمن إمكانياتنا الحالية، ولكنه بالتأكيد هناك خلل ما في مكان ما، ولا بد لنا من الوصل إليه، وأعلم يقينا أن الدخول لعالمه الواسع الشاسع هو مغامرة خطيرة قد تحطم أحلام زوجين تعشما السعادة بحديث الطبيب الذي عليه أن يبلغ المريض حقيقة مرضه بصورتها الواقعية واستعداده لتسخير الامكانات الطبية الحديثة لرسم سعادته.
ولكنني أريد التأكيد قبل ركوب موج البحر الهائج أن النتيجة الحتمية للعلاقة الزوجية هي حدوث الحمل شريطة توفر الحيوان المنوي السليم من الرجل والبويضة السليمة من الأنثى لتنحصر المشكلة في التوقيت والمكان المناسب والذي قد يكون فيه الطبيب العامل المساعد الأقوى لو وجد الأذن الصاغية بعيدا عن محطات التشويش والفتوى بدون علم وإسداء النصائح لخبرات بالية، و اليوم أهدف لتسليط الضوء بإضاءة شمعة لتبديد العتمة في الجانب المظلم عند الحديث عن طرق المساعدة على الحمل والإنجاب وكأن السير بها يحمل في محطاته مغامرات خطرة قد تدفع الزوجين للهلاك فتجعل السير بها يحتاج للسرية والحذر خصوصا أن العامل النفسي يلعب دورا محوريا في إنجاح المحاولات بما يشكله الاضطراب النفسي من خلل في المعادلة الهرمونية الدماغية التي تسيطر على جوانب التحكم في حياة الفرد، لأذكر بداية أن تقنيات طرق المساعدة على الحمل قد ساهمت بغرس بساتين السعادة للأزواج في بقاع العالم عندما حرموا هؤلاء من نعمة الإنجاب لسبب أو لآخر، وعند الحديث عن طرق المساعدة على الحمل والإنجاب وهو ما يعرف باللغة الدارجة (أطفال الأنابيب) يتبادر إلى ذهن السامع أن الجنين سوف يقضي أيامه وأسابيعه الأولى داخل أنبوب - مصدر التسمية – في المختبر وقبل نقله لرحم الأم ليكمل ما تبقى له من فترة الحمل، ويقيني أن مفهوم كهذا هو مفهوم خاطىء شاسع متوارث ونجهد غالبا لمحاولة توضيح الإجراء الطبي ومبرره ومراحله مقدمين الضمانات الطبية والأخلاقية لبذل الجهد، ففكرة المساعدة على الحمل والإنجاب تبنى أولاً وتعتمد أساسا على واقع الوضع الطبي والفسيولوجي للزوجين وتقبل الزوجين للفكرة والنتائج المتواضعة للمغامرة التي لا تحمل آثارا صحية تهدد حياة السيدة، حيث أريد التوضيح بلغة بسيطة أن المطلوب من الرجل إعطاء الحيوانات المنوية ومن السيدة البويضات، وعندما يعجزان عن اللقاء في الشرفة الجانبية الطرفية لقناة فالوب ودون الدخول في أسباب ذلك، ليقودنا الطريق لحل جذري صعب وغير مضمون النتائج إلا بقدر التوفيق.
وحكاية أطفال الأنابيب بمفهومها الدارج والمتعارف عليه تحتاج لتوضيح مبدئي - وبالقلم العريض - أنها لا تختلف أبداً بمراحل التكوين والنمو والتطور والنضوج، بل اختلافها الوحيد في نقطة ومنطقة ولحظة اللقاء بين الحيوان المنوي والبويضة والذي تعذر لسبب ما، فتحضر السيدة ضمن برنامج علاجي معين ودقيق وتحت المراقبة الطبية المستمرة لفترة زمنية تبلغ بحدود أسبوعين من الزمن منذ بداية الدورة الشهرية وبعد نتائج الفحوصات الهرمونية المخبرية فتتناول السيدة جرعات علاجية هرمونية يومية تهدف لتحفيز العدد الأكبر من البويضات للنمو والجاهزية، وبالمراقبة الدائمة وبعد فترة زمنية، يتم سحبها تحت التخدير العام ودلفها مباشرة لاختصاصي الأجنة المشرف في وحدة الإخصاب المجهزة بحاضنات طبية حيث يقوم الرجل في الوقت بإعطاء عينة السائل المنوي، وتكون المهمة الأصعب في الرحلة العلاجية بقيادة مشرف الأجنة وفريقه الطبي المؤهل الذي يختار الحيوان المنوي المناسب والبويضة المناسبة بعد سلسلة من الإجراءات التحضيرية، وهنا تجدر الإشارة أن عينة السائل قد لا تحتوي على حيوانات منوية فنلجأ لأخذها مباشرة من الخصية وفي ظروف خاصة، ليتم تلقيح البويضات في حاضنة المختبر والتي تتوفر فيها العوامل الصحية والبيئية المشابهة تماما لبيئة قناة فالوب في جسم المرأة، والتقنيات الحديثة سمحت بتطور الثقب المباشر والمجهري لجدار البويضة على أن يتم الكشف في اليوم التالي عن عدد البويضات الملقحة والتي بدأ فيها الانقسام بدلالة نجاح المحاولة والتي يلعب فيها الخبرة الفنية لأخصائي الأجنة وفريقه الدور الأكبر وهو الجندي المجهول في هذا الإجراء حيث تجرى عملية نقل الأجنة من الحاضنة إلى تجويف الرحم بأنبوب طبي خاص – وعلى ما أعتقد أنه هذا الأنبوب هو الأساس للاسم الخاطىء المتداول – لينغرس الجنين في جدار رحم الأم منذ اليوم الثالث والذي يكون مهيئا لذلك وتبدأ بعده الرحلة الأجمل والأدق والأسمى في حياة الزوجية التي تتكلل بالولادة. وهنا يتضح أن إطلاق تسمية طفل الأنابيب بصورتها المطلقة والمتعارف تداولها هي تسمية ظالمة في المضمون والنتائج وتمثل جرحا نازفا في هيكل التطورات الطبية التي توظف لسعادة الأزواج، وأما مبررات اللجوء لها فلنا وقفة مستقبلية في هذه الزاوية الطبية للنصح والتوضيح.
اختصاصي النسائية والتوليد أستاذ مشارك/ كلية الطب – الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
جريدة الرأي