ديما الرجبي*
عمان- في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا في العالم وما يخلفه من مسؤوليات جمة تقع على عاتق الآباء بشكل كبير، ورغم تأثر الجميع نفسياً بتبعات الوباء؛ إلا أن الأمهات هن الأكثر عرضة للاكتئاب نظراً لما يحملنه من مسؤوليات عاطفية وتربوية وعملية في حياتهن. وبما أن كورونا أصبح قوة مزعزعة للأمان الأسري بالمجتمعات، ولأن دور الأم يأتي بالمقام الأول تجاه أسرتها من خلال الدعم العاطفي لهم، يأتي هذا الاستنزاف ليهدد صحة الأمهات النفسية، لذلك قام علماء نفس كثر بتوجيه الكثير من النصائح للأمهات المدركات وغير المدركات لاكتئابهن، فمنهن من يكون القلق والاكتئاب صامتاً لديهن دون أن يتمكن من التعبير عنه ويفقدهن القدرة على الإنجاز ويضعف قوتهن على الاستمرار، ومنهن من يعبرن عن قلقهن من خلال الشكوى أو البكاء أو تغيير سلوكهن إلى التصرف بعصبية.
النوع الأول الأكثر هشاشة، ويشمل الفئة التي استهدفها العلماء بالنصائح؛ حيث ترى لوسي ريمالور أهمية أخذ الأمهات استراحة بعيداً عن متطلبات العائلة والعمل، والذهاب الى الأماكن التي تشعرهن بالراحة حتى وإن كانت بالمنزل أو مع الأهل أو التسوق أو النوم والاسترخاء فقط، ويأتي دور الزوج أو الأبناء للتعاطي مع واقع أن الأم تمر بالقلق ذاته الذي فرضه واقع كورونا على الجميع ولكنها لا تستطيع دائماً التعبير عن هذه المشاعر.
إن جل ما تحتاجه الأم في هذه الظروف هو “الهدوء”؛ حيث إنها مطالبة باستمرار بتلبية طلبات وتساؤلات وشكوى أبنائها وزوجها، وبحكم مكانتها المهمة بالأسرة، نرى أن الاتكاء عليها في كل الأوقات دون مراعاة أنها تخضع للقلق ذاته قد يصل بها إلى انسداد نفسي واجتماعي وعزلة تكبد العائلة خسارة استعادتها نفسياً.
ومع دوام الحال في زمن كورونا دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة الى ما كانت عليه، تزداد الضغوطات على الأم، خاصة في ظل ازدحام البيوت بالأبناء طوال الوقت نظراً لانقطاعهم عن ارتياد المدرسة والحظر الشامل في نهاية كل أسبوع، ولذلك يجب أن ندرك أنه ليس كل من يخوض هذه المعركة يكون بمستوى الصحة العقلية والنفسية ذاته، لذلك يؤكد دكتور السلوك هاني هنري ضرورة تآزر الأسر في مثل هذه الظروف الصعبة وتقسيم الواجبات ليتحملها الجميع دون إلقائها على فرد دون الآخر، خاصة أن المرأة العاملة والمتزوجة تتحمل الضغوطات الأكبر، لذلك يجب تقديم الاحترام والتقدير لها بشتى الوسائل.
وللخروج بأقل الخسائر مع تلك الشريحة الأكثر تضرراً نفسياً وعقلياً وللخروج ناجين من هذه الظروف، تحتاج الأمهات الى الاستعداد النفسي -المرونة النفسية- بمعنى القدرة على تغيير المواقف والإجراءات الواجب اتخاذها حين وقوع أحداث غير متوقعة والبحث عن بدائل توافق قدرات الجميع لنتمكن قدر المستطاع من الحفاظ على صحة الجميع النفسية والعقلية.
والاستعداد النفسي أو المرونة النفسية أمر قابل للتحقيق، وهو ما أكده علماء سلوك بناءً على دراسات أجريت في عدد من مراحل الأزمات العالمية؛ حيث استطاع الناس التغلب على الظروف القاهرة والعودة الى ما كانت عليه طبيعتهم السوية قبل مرورهم بالأزمات، ومنها ما ذكره سيغرين حول دراسة السلوك الإنساني لسجناء أميركيين في البرازيل خلال حرب فيتنام؛ حيث جرى سجنهم في زنازين صغيرة جدا “أقفاص النمر” وبعضهم في برك ماء يسجنون بها مغمورين بالماء حتى ذقونهم، وتلك الفئات قسمت بين المتفائل بفوز بلده وانتهاء الحرب، وهم من كانت صحتهم النفسية سليمة بعد انتهاء الأزمة، ومنهم من تعاطى مع الأزمة بيأس فلم يستعيدوا حياتهم السوية.
لذلك، يجب الانتباه الى سلوكيات الأمهات خاصة الصامتات والابتعاد ما أمكن عن جميع أشكال السلبية بالتعاطي مع واقع كورونا الى حين انتهاء هذه الأزمة والتحلي بالصبر والتفاؤل والثبات والحفاظ على الترابط الأسري والتخلي عن الأنانية وتغليب مصلحة الأسرة الواحدة.